نحو آلية أفضل لردع المخالفات التموينية

كثر في الآونة الأخيرة إغلاق بعض المنشآت التجارية والصناعية، كالمطاعم ومحطات الوقود، بموجب القانون وعقاب أصحابها لمخالفتهم وانتهاكهم القانون. ولم يلحظ أصحاب الشأن ومنفذو القانون ما سببه قرارهم على المواطنين الذين أضرهم الأمر وألحق بهم الأذى أسوة بأصحاب الفعاليات التجارية المخالفة، فهم يلزمونهم بالبحث عن مصدر آخر للدخل -إن وجد في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة-، هذا عدا التلف الذي يسببه القرار مثلاً لبقالية أو ورشة عمل ولعماله أيضاً.

فهذه المنشآت تعمل على خدمة المواطنين وتؤمن متطلباتهم وحاجياتهم، ناهيك بأنها مصدر دخل لعدد من الأسر، وإغلاقها يعرض أصحابها لخسائر فادحة بسب وسائل زجرية في ردع المخالفين، إضافة إلى بسبب أن الكثيرين من أصحاب المحلات قاموا بأخذ قروض من أجل العمل، ولكن القرارات جاءت جامدة.. زاجرة، بدل أن توجد حلولاً رادعة وأكثر فعالية من الإغلاق وحجز محتويات المنشآت المخالفة. علماً بأنه أصبح واضحاً أن المساومات والفساد يحيطان بالإجراءات بين الموظف المختص وصاحب المنشأة. ومن ناحية أخرى فقرار الإغلاق لا يحل مشاكل المواطنين ومعاناتهم، نظراً لما يتكبدونه من عناء البحث خارج نطاق منطقتهم للحصول على خدمات بديلة عن الفعاليات المغلقة، ما يؤدي لازدحام وأزمات أحياناً بسبب تخبط أصحاب الشأن في قرارهم، متناسين قول توماس أديسون: (هناك دائماً طريقة أفضل.. ابحث عنها).

 

نؤذيهم.. لا نربيهم

لماذا نعتمد على الحلول القاسية عند معالجة مشاكلنا..؟! ولماذا لا نعتمد أسلوب الغرامات المالية مثلاً في مثل هذه الحالات، وهي وسيلة من وسائل العقاب والمحاسبة على مخالفة الأنظمة والتعليمات، بحيث يكون الحد الأدنى للغرامة ضعفين أو ثلاثة أضعاف قيمة المخالفة، حتى يكون المبلغ المدفوع رادعاً. فالعقوبة تُفرض باسم المجتمع لأنها رد فعل اجتماعي لحماية أمن المجتمع وضمان استقراره، ولحماية الفرد من النوازع المخالفة للقانون والعرف الاجتماعي. إن قرار إغلاق فرن أو بقالية أو محطة وقود.. هو عقوبة للمواطنين أكثر مما هو عقوبة لمستثمري الفرن أو البقالية أو محطة الوقود.. فهو عمل يسبب مشكلة ويفقد ثقة المواطن بصواب القرارات الحكومية، وهو لن يجدي السلطات نفعاً. ففي ظل السياسات الاقتصادية المرتبكة وتفشي الفساد والمحسوبية والتضييق على الناس في أرزاقهم، بات التعقل في اتخاذ القرارات ضرورة قصوى وجزءاً هاماً من الرغبة بالحل، خاصة في هذه الظروف الاقتصادية المتدهورة والأوضاع الأمنية غير المستقرة.

ندعو الجهات الحكومية إلى الإقلاع عن أساليب العقاب الجماعي -للمذنب وغير المذنب- وتعديل القوانين التي تسمح بذلك، لأنه من غير الطبيعي ولا المقبول أن يعاقب أعداد هائلة من المواطنين في منطقة معينة بسبب شخص واحد، بمعزل عمن يكون هذا الشخص، أو مهما كانت تهمته. كما ندعو الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم والأخذ على يد كل من تسول له نفسه المغامرة بقوت الناس وممتلكاتهم.

العدد 1140 - 22/01/2025