هل من مجيب..؟
إلى متى يُسرّح عمال القطاع الخاص تعسفياً؟
أرقام مخيفة وصادمة نقرؤها يومياً عن الحال الذي آل إليه عمال القطاع الخاص.. فلدى جولاتنا اليومية نسمع الكثيرين يتحدثون عن عمليات التسريح التي تطول العمال في القطاع الخاص بشكل تعسفي، ودون أن يحصلوا على أي تعويض.. وفي حال حصلوا على هذا التعويض فهو لا يساوي تعويض شهر من خدمتهم، التي قد تكون أكثر من عشرة أعوام. إضافة إلى الحسوم المخيفة التي تطول رواتب الموظفين الذين لم يسرحوا.. فقد حدثني أحد أعضاء مكاتب نقابة عمال دمشق، أن الكثيرين من العمال باتوا لا يأخذون إلا نصف رواتبهم التي كانوا يتقاضونها سابقاً، إضافة إلى غياب كامل حقوقهم العمالية الأخرى.
وهنا لابد من السؤال: لماذا حصل هذا بعمالة القطاع الخاص؟ وأين هو دور القانون الناظم لعلاقات العمل في القطاع الخاص رقم 17؟ وأين هي المحاكم العمالية لتُحصّل ما هُضم من حقوق عمالية؟ وكم مرة اجتمعت المحكمة العمالية منذ تأسيسها للنظر في الشكاوى ومشكلات العمال التي وصلت إلى الآلاف؟ وأيضاً: أين هي المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في ظل الظروف الراهنة؟
الاتحاد العام لنقابات العمال كان قد ذكر على لسان أحد مسؤوليه، أنّ تسريح العمال الذي جرى خلال الأزمة التي تمر بها البلاد، كان في معظمه مخالفاً للقانون 17 لعام ،2010 لافتاً إلى أنّ هناك قطاعاً غير منظم يشكّل ما نسبته 40% من القوة الاقتصادية، مثل الحِرَفْ الصغيرة غير مرخّصة، وعمالها غير مشمولين بالتأمينات، وتتم فيه عمليات تسريح غير مقبولة.
إذاً لسان القائمين على شؤون العمال يؤكد وجود حالات تسريح للعمال مخالفة للقانون رقم ،17 فأين هي الجهات الرقابية على تنفيذ هذا القانون؟ هذا إذا كان القانون المذكور كفيلاً بالحفاظ على حقوق العمال؟ فقد ذكر أحد المسؤولين في اتحاد نقابات العمال أن عدد المسرحين من عملهم في العام الماضي وصل إلى ما يزيد على 100 ألف عامل، خسروا وظائفهم بشكلٍ كامل. يضاف إليهم العاملون في القطاع غير المنظم. وكان رئيس اتحاد عمال دمشق جمال القادري أشار في تصريحاته إلى أوّلية تعديل قانون العمل رقم ،17 وأن هذه الأوّلية نابعة من أن الجوانب السلبية دون الإيجابية فيه والتي نفذت فقط، مثل التسريح التعسفي، واستبدال لجان قضايا تسريح العمال التي نص عليها المرسوم رقم ،49 بالمحاكم العمالية التي بقيت مشلولة منذ صدور القانون ،17 ولم تبت بأي قضية تسريح لعامل نهائياً. مضيفاً: أن نص هذا القانون وظروف الأزمة الحالية، شجعت الكثيرين من أرباب العمل على استغلال الواقع وتسريح أعداد كبيرة من العمال. فقد وصل عدد المسرحين من عمال القطاع الخاص، إلى ما يزيد على 95 ألف عامل، 45 ألف عامل منهم في دمشق وريفها، وهو رقم في ازدياد يومياً، لأن الظروف على حالها.. ومن ثم يمكن لنا القول إن حقوق العمال مهضومة وليست مؤمنة، والعلاقة بين العمال وأرباب العمل ليست على ما يرام.
إذاً أرقام التسريح في ازدياد يوماً بعد يوم، وهذا مؤشر خطير يجب أن تأخذه الحكومة في حسبانها، وأن لا تتوانى في وضع حد لهذا الأمر، لأن منعكساته ستكون وخيمة جداً على المجتمع السوري برمته، سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، لأن البطالة تعد فتيل الانجرار وراء الأعمال المشبوهة في المجتمع، لذا فإن الأمر جد خطير.
وهنا لا بد من العودة إلى السبب، فكيف وصلنا إلى هذه الأرقام؟ الجواب هو عدم قدرة قانون العمل رقم 17 على حماية حق العامل وعدم تحقيق العدالة فيه. ولكن الشيء الغريب هو ترك (الحبل على الغارب)، أي عدم تلافي سلبيات هذا القانون بشكل سريع قبل أن يُحدث أزمة حقيقية في البطالة وتسريح العاملين.
وهنا نسأل: لماذا هذا التراخي في تعديل هذا القانون؟ وماذا تنتظر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتعديله، هل هي تنتظر إلى أن يصبح عدد المسرحين أكثر من مليون عامل مثلاً؟
في العودة إلى الوراء قليلاً، فإنه منذ صدور قانون العمل رقم ،17 بدأت الآراء تطلق حيال أهمية تعديله، فقد صدر هذا القانون في شهر نيسان من عام 2010 بعد مخاض استمر لأكثر من أربع سنوات وسط جدل وانتقادات متبادلة بين الأطراف المعنية، وهي الاتحاد العام لنقابات العمال، وأرباب العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، آنذاك. إذ رأت الجهات النقابية في ذلك الحين أن المرسوم السابق رقم 49 لعام 1962 كان أفضل بالنسبة لحقوق العمال المكتسبة.
إذاً فالجدل ليس وليد اللحظة، بل كان عبر سنوات مضت، ولكن دون تحريك لساكن حيال نقاط التعديل. فتذهب حكومة وتأتي أخرى ولكن دون أن تلتفت ولو قليلاً إلى هذا القانون الذي أصبح سكّيناً على رقاب العمال في القطاع الخاص.
وفي حال أردنا إلقاء الضوء على بعض الثغرات والنقاط السلبية في القانون، والتي استخدمت سلاحاً في أيدي أصحاب العمل ضد العمال، أمكن القول إن أكثر المواد في القانون التي أثارت الجدل، وتطوّر إلى حدّ الخلاف، هما المادتان 64 و65 المتعلقتان بتسريح العمال، واللتان ركبتا وفق المعادلة التي رُوّج لها حينئذ، وهي (العقد شريعة المتعاقدين). إضافة إلى المادة 224 من القانون التي تتضمن وقف العمل. ولا ننسى أيضاً قضية المحاكم العمالية التي بقيت دون تفعيل، ما أدى لتعطل القضايا العمالية التي رفعت ولم يتمّ النظر بها.
وذكر بعض رؤساء نقابات العمال أن القانون نص في الباب العاشر منه على أحكام تسمح لرب العمل، بعد القيام بإجراءات محددة، أن يغلق المنشأة كلياً أو جزئياً وأن يسرّح عماله دون أي تعويض لقاء الإغلاق.. وفي الوقت نفسه لم يمُنَح العمال أداة حمائية في هذه الحالة لحقوقهم ومكتسباتهم وتعويضاتهم. وبالتالي يمكن إجمال ثغرات القانون بالتنفيذ الكيفي والجزئي لأحكامه، وخاصة فيما يتعلق بقضية التسريح وإغلاق المنشآت من قبل أرباب العمل، إضافة إلى غياب الجهات المعنية بالإشراف على تنفيذ أحكام القانون والتهرب من أحكام النصوص القانونية.
ختاماً نود التنبيه إلى أن تعديل قانون العمل رقم 17 بات ضرورة حتمية يجب العمل عليها دون تأجيل، للحفاظ على الطبقة العمالية في القطاع الخاص. كما نوجه رسالة إلى القطاع الخاص بضرورة أن يقوم بواجبه الاجتماعي قدر الإمكان والمحافظة على العمالة لديه، لأن الظروف الراهنة التي تمر على قطرنا تحتم علينا التكاتف والشعور بالغير، لا أن نتخلى عن مسؤولياتنا تجاه مجتمعنا ووطننا.