بيان حكومة خميس لا يصلح لهذا الزمن الرديء اقتصادياً

 خضع البيان الوزاري لمشيئة أخرى، وأخذ اتجاهاً غير الذي حددته بوصلة العمل، أي المواطن. ولم تتجاوز آفاقه، حدود دائرة الطباشير الحكومية السابقة، المرفوضة شعبياً. إذ إنه أتى فضفاضاً على الحالة المتردية التي تعيشها البلاد، ومفصلاً على مقاييس لا تصلح للوقت الراهن. كما خطف هذا البيان، المؤلف من 3500 كلمة، بوارق الأمل المنتظرة، وتجاهل مؤشرات تفاؤلية بنى عليها المواطنون آمالهم، وبدّد توقعات كانت محتملة، بأن هذه الحكومة ستكون مختلفة عن سابقاتها.

حددت الحكومة في بيانها، الذي قدمته في مجلس الشعب الأسبوع الماضي، خمس أوليات، الأولى: دعم الصمود والأمن والمصالحة الوطنية والوفاء للشهداء والجرحى. والثانية: الاستجابة للاحتياجات الإنسانية. والثالثة: تنشيط الدورة الاقتصادية وتحسين المستوى المعيشي. والرابعة: البناء المؤسساتي والتنمية الإدارية ومكافحة الفساد. والخامسة: التهيئة لإعادة الإعمار. وما يهمنا الأولية الثالثة، وخطة الحكومة وبرنامجها الزمني لتحقيق هذا الهدف.

خلا البيان الوزاري من البرنامج الزمني التنفيذي، وأتت عباراته مسبوقة بسين الاستقبال، وسوف، والرغبة في العمل، والتطوير، فضلاً عن التأكيدات المملة، وتجديد الحرص التقليدي، على تلبية احتياجات الناس. لا خلاف على عبارات البيان الحكومي، فهذا يعكس إيديولوجية من صاغه بالدرجة الأولى، إلا أن مشكلتها ـ أي العبارات ـ أنها أتت باردة، وضعيفة، واتكأت على العموميات، ودغدغت المشاعر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، رأت حكومة عماد خميس أنها (ستعمل على الاهتمام بتوفير فرص العمل بوسائل متعددة ومبتكرة، إلى جانب التوظيف، ومنها دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمتناهية الصغر، لزيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة). أين الابتكار في هذا المجال؟ ألم يكن هذا توجه الحكومة السابقة؟ ومطلباً لكل القوى المهتمة بالتشغيل؟

 تدرك الحكومة أن المرحلة العصيبة التي تمر بها البلاد، لا تنفع إطلاقاً معها الخيارات الحيادية. ولا يمكن حل مشكلات الناس المعيشية والاقتصادية، عبر الاقتراب الخجول من معالجة القضايا الأساسية. ومع ذلك، غاب عن البيان الآليات التنفيذية، كما تعكس خطط الوزارات، الواردة فيه مختصرةً، أنه لا يناقش الجوهري. وأن هذه الحكومة لا تملك حسب بيانها رؤية اقتصادية، تناسب هذه المرحلة الرديئة، وبخاصة اقتصادياً، باستثناء طرحها التشاركية، المنبوذة من قوى متعددة، لوجود العديد من الأسباب التي تحمل فشلها المسبق ( سنتناولها في مقال لاحق).

كل ما ورد في البيان الوزاري، يحتاجه السوريون، ووطنهم المطعون في ظهره، الذي دمرت الحرب مقدراته، وتجاوزت خسارته 250 مليار دولار. وعادة، تحتاج البلاد المنكوبة إلى كل شيء، فيما مواردها ضحلة، وخزينتها تكاد أن تكون خاوية، والاستثمار فيها شبه مستحيل. ما يتطلب وضع أوليات اقتصادية واضحة ومحددة، تلامس احتياجات الناس، وعدم الاكتفاء بإدارة الموارد المنخفضة أمام تعاظم الاحتياجات، وتحديد برامج زمنية مشفوعة بمؤشرات تقريبية. كان يكفينا أن تتحدث الحكومة أنها خلال السنة الأولى من عمرها، ستعمل على ملفات التشغيل، وإعادة دوران المتوقف من عجلة الاقتصاد، في حال بقيت الظروف الراهنة كما هي، أما في حال تحسنها فلابد من سيناريو أخر، وكذا في حال تراجعها. لكن التعميم الذي تضمنه البيان، كفيل بالحفاظ على بركة المياه الراكدة، وتغييب المعالم الأساسية التي ستعتمد الحكومة عليها، ونهجها طريق الإطفائي الذي يتبع الحرائق ولا يستبق حدوثها.

لم يتحدث البيان الحكومي عن المواد والسلع التي ستنتج محلياً، وبالتالي الاستغناء عن استيرادها، ولم يتطرق إلى عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي ستؤسس بدعم من الحكومة، وعدد فرص العمل التي ستشغلها هذه المشاريع، والكلفة التقديرية لها. هذا يسقط دعم هذه المشاريع الوارد في البيان الوزاري، ويقلل من أهمية هذا التوجه، ويحد من التفاؤل الذي انتظره السوريون عقب تشكيل الحكومة. كما لم تتحدث الحكومة في بيانها عن إجراءاتها التي ستحد من الغلاء، وتكبح جماح القطع الأجنبي، وتوقف تراجع قيمة الليرة، مكتفياً بالتأكيد على دعم صمود الليرة. أما كيف الطريقة، والتوقعات التي ستعيد جزءاً من قيمتها، فظلت غائبة؟

إن (الجغرافيا الاقتصادية الآمنة)، التي تقر الحكومة أنها ستعمل ضمنها، وفقاً لبيانها، يتيح لها تحديد خياراتها الاقتصادية، وموقفها من العملية التنموية في زمن الحرب الظالمة. ويساعدها على تحديد الضروري والملحّ، والابتعاد عن غير الجوهري. ولا نعتقد أن الشعب السوري يرغب اليوم بتطوير السياحة الشعبية، كما ورد في البيان، على حساب أسئلته المغّيبة، والأكثر إلحاحاً، لمعرفة مصير سلعه الأساسية، وقمحه، وخبزه، وخضاره، ودوائه؟

في البيان الوزاري نقاط ضعف كثيرة، وهفوات لا تسعف الحكومة على تجاوزها، بخاصة إذا أرادت أن تستمر بهذا الشكل الذي انطلقت فيه. لقد خلا البيان من اللمحات، وغاب عنه الفكر الاقتصادي، ولم يوضح نهج الحكومة اقتصادياً، ولا خطّها التنموي، باستثناء مظلة التشاركية المنبوذة. إن هذا البيان المقتضب، لا يخاطب العقول، ولن يحظى بالتأييد، ولن يكون خارطة طريق أمام الوزارات. كما أن الفريق الذي صاغه، لم يترك لنفسه فرصة ليقول لنا: إننا في زمن الحرب القاتلة والظالمة والمدمرة، وهذا ما يمكن أن نفعله.

العدد 1140 - 22/01/2025