تأهيل

الأبناء هم ثمرة الزواج، ويأتون إلى هذا العالم ليس باختيارهم طبعاً، لذلك فالإنجاب قضية مهمة تقع على عاتق الأبوين في تأمين كل ما يتطلبه الأبناء من الضرورات الأساسية للحياة، إضافة إلى تأمين حياة كريمة لائقة لهم يحصلون فيها على جميع حقوقهم.

إن تأهيل الركيزة الأساسية للأسرة يبدأ من مسألة اختيار الشريكين والتحقق من سلامة الصحة العضوية والنفسية لهما، وقبول كل منهما الأخر، وهنا يجب التشدد بمسألة الفحوص الطبية قبل الزواج، إضافة إلى عمر الزوجين أي أن يكونا فوق سن ال18 وبذلك بلغا درجة من الوعي والرشد، ما يؤهلهما لإدارة مؤسسة الأسرة.

لقد شاع كثيراً مصطلح (إعادة تأهيل) أو دورات تدريبية سواء للعمال أو للكادرات الفنية والإنتاجية وللمديرين العامين والقياديين وغيرهم، بعضها يكون داخلياً وبعضها خارجي وذلك حسب الحاجة وتوفر الإمكانات المادية لمواكبة التطورات العلمية الحاصلة في العالم. باعتقادي مهم أيضاً إشراك القطاع التربوي في هذه الدورات لأنه القطاع المسؤول عن صناعة الأجيال، أي عن صناعة المستقبل.

طبعاً ولا نكتفي بتأهيل القطاع التربوي لأنه ليس وحده المسؤول عن هذه القضية، إنما إعادة تأهيل مؤسسة الزواج أي الأسرة التي من الضروري تأهيلها قبل كل تأهيل.

وعليه فإن التأهيل المعرفي والتربوي للآباء بخصائص الأبناء حاجة ضرورية، وهي تبدأ من المراحل الأولى، من المرحلة الجنينية إلى الحضانة فالطفولة ومن ثم إلى المراهقة والشباب، وكلها مراحل خطيرة وهامة وحساسة ولها خصوصيتها، وتأهيل الوالدين يمكّنهما من تجاوز كل مرحلة من تلك المراحل بأمان وسلام، أما عدم التأهيل فستكون مخرجاته سلبية. يقال ذهبت إحدى السيدات إلى فيلسوف وطلبت منه نصائح تساعدها في تربية ابنها في المستقبل، فسألها بداية عن عمره فقالت له: أصبح عمره الآن سنة، فأجابها: لقد تأخرب سنة في تربيته ياسيدتي.

نعم، إعداد الآباء وتأهيلهم أمر ضروري، ولا يجوز التساهل فيه إطلاقاً، وغالباً تقع مسؤولية التربية على الأم وحدها، خاصة في ظل الأوضاع والحرب التي نعيشها وغياب الآباء والأزواج، ولذلك باتت مسألة تأهيل الأمهات حاجة ضرورية، لأنها تتحمل المسؤولية كاملة في تربية أولادها.

يبقى السؤال كيف نمد يد العون إلى المقبلين على الزواج؟ وكيف نساعد الآباء والأهل في تربية أبنائهم؟ مهم جداً إعادة النظر بآليات ومفاهيم التربية، والعمل الجاد والمسؤول في هذا الاتجاه عن طريق مدارس ودورات تأهيل للأهل، لرفع وعيهم ومعرفتهم بأساليب التربية الحديثة، وكذلك أهمية استعانة الأهل بخبراء التربية لمساعدتهم في تربية أطفالهم.

ما أود قوله أخيراً إن الآباء يبقون هم القدوة للأبناء، فالأبناء عادة يتقمصون شخصية أبويهم، ويقلدون حركاتهم وأفعالهم وأقوالهم، ولاشك في أن العلاقة الصحيحة والسلوك الجيدين للأبوين ستنعكسان على نمط سلوك الأبناء وعلى علاقتهم بمجتمعهم، فالثقة تولد الثقة والاحترام يولد الاحترام وهكذا. فلنحرص على أن نكون دائماً القدوة الحسنة، ولاضير في أن نعترف بأخطائنا أو بتقصيرنا أمام أبنائنا، وأن نتقبل نقدهم لنا. فهل نراجع ذواتنا، ونعيد تأهيل أنفسنا من جديد، لنكون ناجحين في إدارة مؤسساتنا الأسروية؟

العدد 1140 - 22/01/2025