موازنة 2017 للرواتب والأجور.. والأدنى منذ 15 سنة
أقرت الحكومة أدنى موازنة عامة للدولة على مدى الـ 15 سنة المنصرمة، إذ يمكن نعت موازنة ،2017 بأنها موازنة الرواتب والأجور بامتياز. ففي الأرقام الراشحة حول مشروع الموازنة المذكورة، ما يفسر المأزق المالي بوضوح، ويختصر حال ليرتنا المتهالك، ويعبر عن ضيق الأفق الممكن للخروج من الدوامة المالية والاقتصادية الخانقة. وكغيرها من الحكومات الخمس التي تعاقبت في الأزمة الراهنة (2011 حتى الآن)، تقود حكومة عماد خميس تراجعاً جديداً في حجم الموازنة العامة للدولة ،2017 ما يكشف حالة العجز المالي المصابة به خزانة الدولة، ويفتح المواجع حول مدى الضرر اللاحق باقتصادها، ويشير إلى أن الحرب الطاحنة، التهمت كل شيء.
لن يغرّنّنا مبلغ 2660 مليار ليرة، إجمالي اعتمادات موازنة ،2017 هذا الرقم الأولي يسجل زيادة وهمية نسبتها تتجاوز 34 بالمئة عن اعتمادات موازنة العام الجاري البالغة 1980 ملياراً. لماذا زيادة وهمية؟ لأنه ببساطة شديدة، عند حساب مبلغ الموازنة بالقطع الأجنبي، نجد أن هذه أدنى موازنة حتى الآن منذ مطلع الألفية، وهو تراجع مردّه قيمة الليرة المتهاوية. إذ تصل قيمة موازنة العام القادم في أفضل الحالات، ووفقاً لأسعار السوق الرائجة، إلى 5,32 مليارات دولار، بافتراض سعر الصرف يساوي 500 ليرة أمام الدولار الآن.
في حين وصلت قيمة الموازنات العامة للدولة في الأعوام الماضية إلى: 7,1 مليارات دولار في ،2002 وبلغت حدها الأعلى عام 2010 إذ تجاوزت 15 مليار دولار، وبدأ التهاوي منذ 2011 مع تذبذب سعر صرف الليرة، وتهاوي قيمتها السوقية، إذ بلغت قيمتها 10,36 مليار دولار في ،2015 وتراجعت إلى 7,92 مليارات دولار في ،2016 وذلك وفقاً لسعر صرف الدولار المحدد بكل موازنة. هكذا عادت موازنة الدولة إلى المربع الأول، وخسرت البلاد ما تحقق في السنوات السابقة.
المهم في الموضوع، عقب إنجاز مشروع الموازنة، ألا تزعم الحكومة أن ها هي ذي الموازنة الأضخم في تاريخ البلاد. فعلى الوزراء التريث قليلاً، والوقوف على أرضية متينة، وعدم مجافاة الحقيقة والواقع. وهذا ليس عيباً يشوب الموازنة، أو ينقص من قدرات الحكومة، لأن أسباب ذلك له صلة وحيدة تتعلق بالحرب في سورية. أما العيوب التي يمكن تسجيلها، فهي كثيرة، وسنستعرض بعضها.
خصصت الحكومة في مشروع الموازنة 678 مليار ليرة اعتمادات للإنفاق الاستثماري، بنسبة زيادة عن العام الحالي تبلغ 32,94 بالمئة، وهي زيادة في شكلها الأولي تصلح لزمن السلم، ووقت الرفاه الاقتصادي، وتتواءم مع مرحلة إعادة الإعمار. لكنها في الحقيقة زيادة شكلية، بلا لون، وبلا جدوى، ولن يكون لها أثر حقيقي، مادامت كل المشاريع التنموية والاستثمارية المتعلقة بالإنتاج الحقيقي متوقفة، ولا يمكن أن تنشط على وقع الرصاص والقتل والدمار.
لا ندري لماذا لا تكون هذه الحكومة التي ورثت قطيعة الحكومة السابقة مع الناس، أكثر جرأة، وتعالج هذا الواقع الخاطىء- أي القطيعة- وتصارح المواطنين بقلب قوي، ولسان فصيح بعيداً عن المواربة، بأنه لا يوجد استثمارات وازنة الآن، مادامت قعقعة الحرب أعلى من أصوات الاقتصاد والاستثمار والتنمية. تعلم الحكومة أن المواطن يدرك تماماً أن العملية الاستثمارية متوقفة، كما أنها- أي الحكومة- ليست في موضع إقامة استثمارات، وليست المناخات مناسبة لذلك، فلماذا تصر على لحظ المشاريع، وكلنا يعلم أنه لحظ ورقي، ومؤشر لنفخ الروح في ميت؟
أما المؤشر الفضيحة، فيتعلق بكتلة الدعم الاجتماعي في موازنة ،2017 التي تبلغ 423 مليار ليرة، وهو مبلغ أقل من الدعم الوارد في موازنة العام الجاري بنسبة تتجاوز 56 بالمئة. وهنا لابد من وقفة بسيطة، إما هذا تصحيح لتشوه الدعم وإعادته إلى شكله الطبيعي بعد أن ضخمته الحكومة السابقة، أو أنه إصرار مخفي على التخلي عن الدعم الاجتماعي، خاصة أن دعم المشتقات النفطية لم يعد موجوداً. كلا التفسيرين واردان، وهما قريبان للحقيقة، ليبقى الاحتمال الثالث أنه لا يوجد دعم اجتماعي في موازنة العام القادم.
ثمة أسئلة بديهية تتعلق بموارد الخزينة، وبالتالي الموازنة، لن نتطرق إليها، لأن موازنات الحرب هي تمويل بالعجز والاقتراض، حتى وإن لم تفصح الحكومة عن ذلك، فهذه المليارات غير المتوفرة لدى الدولة، نظراً لتوقف الإنتاج، ووجود حالة (صفر موارد) إن صح التعبير، ليست مفاجئة لأي من متابعي الاقتصاد، إذ إن معظم اقتصادات الدول التي لا تعاني من حروب هي في تراجع، فما بالنا وحربنا بدأت بالقضاء على الاقتصاد وتدميره؟
يمكن للحكومة أن تصحح موقفها المنتفخ من الموازنة التضخمية، والتي أتت بلا ملامح تنموية أو اقتصادية حقيقية. ويمكنها أيضاً أن تعبر عن حسن نيتها، في حال صارحت نفسها أولاً بأنها فعلاً تدير موازنة، اسمها موازنة الإنفاق الجاري.