الصناعة بين الواقع والتحديات..عُصيّ المشكلات توقف دوران عجلة الإنتاج المحلي
لاشك أن الاقتصاد السوري بأمسّ الحاجة للإنتاج في ظل الظروف الراهنة، لأن من شأن الإنتاج المحلي أن يخفف من فاتورة الاستيراد، ويرفع معدلات التصدير، ويجلب القطع الأجنبي للخزينة العامة، عدا قدرته على تحريك الأسواق وتخفيض الأسعار وتحقيق المنافسة، وتشغيل الأيدي العاملة وتحقيق أبعاد اجتماعية هامة جداً.
المتتبع للواقع الحالي يجد العديد من المشكلات تعترض الإنتاج المحلي، وخاصة مع خروج آلاف المعامل عن الإنتاج، في حين أن ما تبقى من شركات منتجة تواجه صعوبات في العمل، لا يمكن حصرها بمقال واحد.
بنظرة سريعة على الواقع الإنتاجي في سورية في ظل الأزمة الراهنة، نجد أن شركات القطاع العام الصناعية، تعاني من ضعف الإنتاجية والترهل والفساد، وغياب العمالة الماهرة، وانتشار العمالة المسنة، ونقص عام بالأيدي العاملة، وصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج، وتوقف العديد منها، مع استمرار صرف رواتب لعمالها، ما يزيد من الأعباء المادية على الخزينة، لأن دفع الرواتب دون أن يقابله أي إنتاج يعتبر خسارة كبيرة للجهة المنتجة، كما أن الصناعة في القطاع العام تعاني من مشكلات عدم توفر الطاقة، (كهرباء- مازوت- فيول)، وهذا الأمر رفع تكاليف الإنتاج، وأدى إلى فوات إنتاج يقدر بمليارات الليرات سنوياً، أما القطاع الخاص، فهو أيضاً يواجه المشكلات نفسها، إضافة إلى صعوبة الحصول على المواد الأولية اللازمة للصناعة، وارتفاع أسعارها وتذبذب سعر الصرف، وصعوبة تصريف المنتجات، وضعف التصدير للأسواق الخارجية.
القط والفأر
إذاً، يمكن القول بأن العديد من معوقات العمل تواجه الإنتاج المحلي، وهذا ما أكده الصناعي زياد الرهونجي في تصريحه لـ(النور) إذ لفت إلى أن معوقات الصناعة والإنتاج في سوري كثيرة ومتشعبة ولا يمكن حصرها في عدد معين من الكلمات، ولكن يمكن القول بأن أهمها يتمثل بغياب الطاقة، والخطأ في المساواة في التوزيع بين المصنع والمنزل، وهذا ما يساهم في شلل المصانع وارتفاع كلفة المنتج، مشيراً إلى أنه لا يخفى على أحد ضعف آليات تطبيق تعليمات القوانين المهترئة المثقلة بالتعليمات والاجتهادات والطلاسم، والتي هي أصلاً لم تعد مناسبة للواقع المتغيّر، ونجد بالتوازي توحشاً غير مسبوق للفساد من كل الأطراف (القط والفأر)، وما يزيد الطين بلة أن يكون الموظف المكلف غير مؤهل وليس لديه السلطة ولا المعرفة بأهمية فهم المشاكل للمساعدة على حلها لدفع عجلة الإنتاج وتوليد الربح لدى المنتج ليكون قادراً على التطوير المستدام لا كماً ولا نوعاً، وبالتالي لم ولن نكسب داعماً حقيقياً للاقتصاد الوطني، فما يحصل في الغالب هو مساومة بين الموظف المحتاج لدعم دخله الشخصي، والمكلف على حساب دخل الدولة من الضرائب والرسوم التي قد تكون غير موجبة في ظروف تعثر المنتج الذي قد يكون بحاجة إلى إعفائه المؤقت.
وأضاف: الكل يعرف أن ثقافة الإعفاء غير موجودة في قوانين الجباية، والمثال الفاقع أنه لا توجد ولا حالة واحدة في أي ميزانية خاسرة وموثقة وقد تصل إلى حالة إفلاس تحت مقولة تفتقر للواقعية والاستراتيجية (حق الدولة لا يضيع) وحتى لو ضاعت الكثير من مولدات الإنتاج الوطني والربح الجمعي للوطن والمواطن.
التحول إلى التجارة
في حين رأت ميساء دهمان، سيدة الأعمال وعضوة في لجنة سيدات الأعمال في غرفة صناعة دمشق، أن هناك الكثير من معوقات الإنتاج في سورية، وهذا ما دفع من الصناعيين لتحويل نشاطهم إلى التجارة، لكثرة الهموم والمشاكل التي تعترض عملهم وخاصة الورشات الصغيرة والمتوسطة، التي لم تحصل على أي دعم إلى الآن.
ولفتت في تصريحها لـ(النور)، إلى أن هناك الكثير من الصناعيين فقدوا أعمالهم ومصانعهم نتيجة الأزمة الراهنة، ولكن بالمقابل لم يحصل هؤلاء الصناعيون على أي تشجيع أو مزايا لكي يعودوا إلى الإنتاج مجدداً، مشيراً إلى أن أسعار مستلزمات الإنتاج حالياً مرتفعة كثيراً وليست متوفرة في أي وقت، مع نقص حاد بالعمالة الماهرة وفي حال توفرت فأجورها مرتفعة كثيراً، ولا يمكن أن ننسى مشكلات الطاقة، من كهرباء ومازوت، التي ضاعفت تكلفة الإنتاج كثيراً، ورفعت أجور الشحن والنقل، مع صعوبة تصريف الإنتاج لضعف دخل المستهلكين، وضعف القدرة الشرائية، وغياب المعارض الخارجية، وعدم تشجيع الصناعيين الصغار على المشاركة بهذه المعارض لارتفاع تكاليف المشاركة بها.
ماذا عن إعفاء الصناعيين من الضرائب لـ 5 أعوام؟
في حين أكد التاجر محمود إسماعيل (يعمل في مجال التجارة والاستيراد والتصدير) أن مقومات الصناعة والإنتاج المحلي تتمثل باليد العاملة بالدرجة الأولى، ثانياً الطاقة، يجب تأمين طاقة كهربائية بشكل دائم والأفضل إعطاء المناطق الصناعية لشركات خاصة للعمل على تأمين الطاقة واستثمارها، ثالثاً والأهم المواد الأولية ومستلزمات الصناعة يجب استثناؤها من كل قرارات الترشيد ومنع الاستيراد، وإعطاؤهم موافقات مسبقة وبكميات كبيرة، وإعفاء الصناعيين من الرسوم والضرائب لمدة خمس سنوات وذلك لتشجيع الصناعيين والتجار على العودة والعمل لأن المنافسة كبيرة والبلاد المجاورة تقدم كل التسهيلات للصناعيين السوريين، للعمل، وهذا ما عملته كل من مصر والأردن وتركيا لجذب الاستثمارات السورية إليها.
كيف لنا أن ننتج؟!
في حين وجد صناعي ومستورد للمواد الأولية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في تصريحه لـ(النور)، أن الصناعي حالياً يواجه الكثير من المعوقات، أهمها ما يتعلق بتوفر المواد الأولية اللازمة للصناعة، وصعوبة الحصول على إجازات الاستيراد، وملاحقة المصارف له نتيجة تعثره في القروض، فكيف للصناعي أن يقوم بتسديد ما يترتب عليه من قروض ومنشأته متوقفة عن العمل وخاسرة؟!!، متسائلاً: أليس من الأجدى أن يُدعَم الصناعي لكي يعود للإنتاج، ويقلع بعمله ويقوم بتصدير منتجاته للأسواق الخارجية وطرحها في الأسواق الداخلية، ثم مطالبته بتسديد قروضه؟.. لا يمكن أن يسدد الصناعي ما يترتب عليه من قروض وهو يعمل في ظل هذه الظروف، (كهرباء مقطوعة، مازوت مرتفع السعر وغير متوفر بشكل دائم، مواد أولية مرتفعة السعر وغير متوفرة أيضاً، أيدٍ عاملة قليلة وأجورها مرتفعة، المياه غير متوفرة دائماً، صعوبة الحصول على خطوط إنتاج واستيرادها وتجديدها)، في ظل هذه العوامل والظروف، هل يمكن برأيكم أن يتحقق إنتاج وأرباح للصناعي؟، هذا السؤال بعناية مسؤولي الاقتصاد؟..
مستطرداً: (ماذا عن دعم الصناعة الوطنية، لم نلمس شيئاً من هذا القبيل، معظم الورش تعمل في الأقبية إلى الآن، ولا يوجد أي دعم لها ولو على صعيد المازوت)، مؤكداً أهمية تخطي كل هذه العوامل وتحقيق الدعم الحقيقي للصناعيين الصغار أولاً لكي يستمروا بالعمل ولكي لا تغلق منشآتهم التي تشغل أيدي عاملة غير قليلة لأن الورش الصناعية الصغيرة منتشرة بكثرة في سورية.