مجتمع ذكوري تحت رحمة الدين المبطّن

رغم كل ما وصلت إليه المرأة على الصعيد العلمي والثقافي والسياسي، في العالم أجمع والوطن العربي بشكل خاص، نلاحظ أن مشاركتها منقوصة في أغلب المجالات، وأنها دائماً مؤطّرة ومحدودة. بالمطلق، سواء على الصعيد العلمي أو في البعثات الخارجية مثلاً دائماً يقع الخيار على الرجل، وحتى في اختيار القيادات الحزبية والمؤتمرات والنشاطات السياسية والنيابية، دائماً نلاحظ الظهور الذكوري بشكل أوسع من الظهور النسائي، ولم نصادف في تاريخ الدول العربية الحديث أن قامت سيدة بترشيح نفسها إلى منصب الرئاسة مثلاً.

 أسباب كثيرة حدّت من قدرات المرأة لتبوّؤ منصب قياديّ، ولعل السبب المباشر وإن كان مبطّناً ألا وهو الدين، على اعتبار أننا مهما ارتقينا بأفكارنا فدائماً نولي الحصة الأكبر للحكم على أساس شرعي، لأننا دول إسلامية من حيث الحكم، والشرع الذي يقضي أن مقابل كل الرجل امرأتان، من مبدأ أن المرأة تحكمها العواطف، وتسير في أحكامها تبعاً لما تمليه عواطفها حتى في الشهادة على البيع والشراء.

وطبعاً لا يمكن أن نتجاهل النظرة التقليدية المجتمعية إلى المرأة على أنها فقط أم وزوجة وربّة أسرة مسؤولة عن متطلباتها وخدمتها. كل هذا أطّر المرأة وحدد مسؤوليتها لدرجة بتنا نرى الكثير من السيدات اللواتي حصّلن شهادات جامعية جالِسات في إطار الصورة المجتمعية المرسومة لهن، وإن توظّفت تكون الوظيفة بعيدة كل البعد عن تحصيلها العلمي، وهي ضمن نطاق إدارة محدد بزمان ومكان.

لا تقتصر أسباب تغييب المرأة عن المراكز القيادية، وعن إثبات وجودها في ساحة العمل والسفر، والبعثات الدبلوماسية، على ما ذكر سابقاً، فالكثير من المجتمعات وإن كانت توهمنا بالانفتاح والحضارة، تقف عند نقاط رسّخها المجتمع الجاهل تحت ما يسمى العادات والتقاليد، وعلى أنه لا يجوز للمرأة السفر بمفردها، ولا مبرر لسفرها عبر تساؤلات وأحكام من قبيل:( وماذا عن كلام الناس والأقرباء امرأة مسافرة بمفردها؟ ألا يمكن أن تقوم بعملها بجوار أسرتها وتحت أنظارهم؟ لا داعي للسفر وتعريض نفسها لاستغلال ومشاكل كثيرة بعيد عن الأسرة والأهل). طبعاً أسباب كثيرة قيّدت عمل المرأة ونزعت منها حقها بفرض حضورها على ساحة العمل مهما كان نوعه، وخاصة إذا كان ضمن تحصليها العلمي والثقافي، فكيف بحق المرأة أن يكون لها حضورها على ساحة العمل السياسي والدبلوماسي، والرئاسي وتكون مثلها مثل الرجل في اتخاذ القرارات بعيداً عن إسار (الكوتا) النسائية، المحصورة بنسبة مُحددة ومُختارة سلفاً، فالمرأة نصف المجتمع، ولا يمكن لمجتمع أن ينهض بنصف مشلول.

العدد 1136 - 18/12/2024