موسم التخفيضات.. المستهلك بين الحقيقة والشك

 مددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً موسم التخفيضات على الألبسة الشتوية والأحذية للمحال التجارية، وأثير كثير من الشك حول مدى مصداقية هذه التخفيضات وواقعيتها، إذ ترى فئة من المستهلكين أن هذه التخفيضات عبارة عن (مصيدة) يقوم بها البائع لتصريف بضائعه بسعر (مخفض وهمي)، في حين ترى فئة أخرى من المستهلكين أن هذه التخفيضات عبارة عن (فرصة) تغتنم لشراء حاجيات الشتاء مع قدوم فصل الصيف بأسعار مخفضة.

بائع: نسب التخفيضات حقيقية.. لهذه الأسباب

بائع ألبسة في سوق مساكن برزة، نفى ما يتداوله البعض عن كون التخفيضات الموسمية عبارة عن (مصيدة أو أنها وهمية)، مشيراً إلى أن البائع من مصلحته أن يقوم بتصريف بضائعه وإعادة تدوير الرأسمال الذي يملكه وخاصة بما يتعلق بسلعتي الألبسة والأحذية، فليس من مصلحة البائع أن تتراكم لديه البضائع في محله، لأن ذلك سيؤدي بطبيعة الحال إلى خسارة، وخاصة إذا ما علمنا أن الألبسة لا يمكن تخزينها كثيراً لأنها تعتمد على ذوق المستهلك ومحاكاة الموديلات المطروحة في السوق، وذلك على عكس المواد الغذائية التي في حال تخزينها فإن ربحها مؤكد، لأن أسعارها ترتفع أكثر مع الأيام.

ولفت البائع أنه عندما يتم الإعلان عن التخفيضات فإن معظمها حقيقية، لأن النسب التي يعلنها البائع في هذه التخفيضات تأخذ من هامش أرباحه، وطبعاً نسبة تخفيض 70% يعني أن البائع يريد أن يحصل على رأس ماله فقط، دون أي ربح يحققه من التخفيض، مؤكداً أن موسم التخفيضات من شأنه أن يحرك ركود الأسواق وخاصة أن معظم الأسعار حالياً مرتفع، مع الإشارة إلى أن أسعار الشتاء القادم ستكون الأسعار أكثر ارتفاعاً في حال استمرار عوامل الأزمة، لذا فإن المستهلك يجب أن يعتبر موسم التخفيضات (فرصة) له، وليس (مصيدة) وعليه أن يكون حذراً في الوقت نفسه من بعض البائعين الذين يتحايلون بعرض سعر وهمي على القطعة (غير حقيقي)، وذلك من خلال البحث في أكثر من محل تجاري لمعرفة السعر الحقيقي للبضائع المعروضة.

ونبه إلى أن تاجر الألبسة المفرق يعاني حالياً من قلة البضائع في أسواق الجملة، وفي المعامل، ذلك أن الإنتاج منخفض والأسعار مرتفعة كثيراً، وبالتالي اضطر التاجر لتخفيض نسب أرباحه لكي يجعل من سعر السلعة يتلاءم مع دخل المستهلك، مشيراً إلى أن صناعة الألبسة حالياً تعتمد على بعض مناطق ريف دمشق، كما أن معظم الأقمشة أصبحت مستوردة، وبالتالي تعتمد على سعر الصرف مما يجعل أسعار الألبسة تتأرجح وفقا لتأرجح سعر الصرف، فلا يوجد أقمشة مصنعة محلياً للأسف بعد توقف الكثير من معامل الغزل والنسيج العامة.

وأكد البائع مرة أخرى أن التخفيضات المعلنة هي حقيقية لأن التاجر لن يستطيع التلاعب بها، على عكس الرائج بين المستهلكين، ذلك أن من مصلحة التاجر أن يرفع أرقام مبيعاته لتدوير رأس ماله وعدم إبقاء البضائع لمواسم أخرى، لأنها ستفقد قيمتها وخاصة أن لا يوجد استقرار في الأسعار سواء من حيث التكلفة أو من حيث الإنتاج.

وزارة التجارة: حركة الأسواق ستبقى عادية

مصدر في وزارة التجارة وحماية المستهلك أوضح في تصريحه لـ(النور)، أن أي تخفيضات ضمن الأسواق لم يتم التصريح عنها في مديريات التجارة الداخلية ضمن المحافظات تعتبر تخفيضات مخالفة، ونسيّر دوريات يومياً على الأسواق للتأكد من ذلك، مشيراً إلى أنه يتوجب على التاجر قبل أن يعلن عن أي تخفيض أن يحصل على موافقة من مديرية التجارة، وبعد دراسة تكاليف السلع وفق الفواتير التي يبرزها وبعد التأكد من صحتها تحدد نسب التخفيض وهامش الربح للتاجر.

ورأى المصدر أن التخفيضات الموسمية عبارة عن تصفيات للمواسم، مؤكداً أن وزارة التجارة الداخلية لا تدع التاجر يرفع ويخفض السعر وفق مزاجه الفردي، بل هناك شروط محددة لهذه العملية. وسأل المصدر: التاجر الذي أعلن عن نسب تخفيض تصل إلى 50%، ماهي نسب أرباحه التي كان يجنيها قبل أن يعلن التخفيض؟..

وعن حركة الأسواق في موسم التخفيضات قال المصدر: (يمكن القول بأن الحركة على الأسواق تعتبر عادية جداً خاصة أن البضائع التي أعلن التخفيض عنها هي بضائع راكدة منذ المواسم السابقة، ولا يوجد بضائع جديدة، وقد تشهد الأسواق حركة في الأيام الأولى من موسم التخفيض ولكن ستعود إلى وضعها الحالي بعد أيام).

خبير: موسم التخفيضات حقيقي ولكن قد يواجه بالركود..

باحث اقتصادي لفت  إلى أن قيام التجار بالإعلان عن التخفيضات يعود إلى الفترة الزمنية والانتقال الفصلي بين الشتاء والصيف، لافتاً إلى أن بعض التخفيضات ضمن الأسواق تعتبر حقيقية، لأن الهدف من التخفيض هو تصريف للبضائع من أجل تدوير الرأسمال، وليس من مصلحة التاجر أن يبقي البضائع على رفوف محله التجاري دون أن يصرفها، ولا أن يبقيها ضمن مستودعاته، لأن ذلك قد يعرضه لخسائر كبيرة.

ورأى الخبير الاقتصادي، أن ضعف حركة الأسواق بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى المستهلكين يعتبر عاملاً أخر للإعلان عن مواسم للتخفيض، فقد أصبحت الألبسة والأحذية من الكماليات لدى المستهلك، وخاصة أنه توجه إلى شراء الأساسيات من المواد الغذائية التي شهدت ارتفاعات كبيرة في أسعارها، وبالتالي لم يعد لدى المستهلك قدرة على شراء أي سلعة أخرى حتى إنه أضطر لاستهلاك مدخراته، وقد يكون موسم التخفيض فرصة للمستهلك وخاصة ذوي الدخل المحدود لكي يشتري بأسعار أقل، ولكن عليه الحذر بأن لا يتعرض للغبن من قبل التجار.

وأكد الباحث الاقتصادي أن بعض التجار قد يضطرون لتخفيض أسعار بضائعهم لنحو 90% بسبب التزامات مالية عليهم، ولو كانت هذه التخفيضات ستعرضهم للخسائر، مع الإشارة إلى أن التاجر قدر الإمكان لدى إعلانه عن أي تخفيض على أي سلعة فإنه يحافظ على رأس ماله ولا يعرض نفسه للخسارة، كما أن البضائع السابقة التي باعها قبل موسم التخفيض قد توازن بين معدلات الربح والخسارة، كما لا ننسى أن التجار، نتيجة فرق سعر الصرف، استطاعوا أن يحققوا أرباحاً ليست بقليلة فقد كانت لديهم بضائع مخزنة في المستودعات قبل الأزمة وباعوها بأسعار مضاعفة كثيراً مما حقق لهم أرباحاً مضاعفة، ولكن في حال أراد التاجر أن يشتري بضائع جديدة فإنه سيشتريها بسعر مرتفع، ولكنه في الوقت نفسه سيغير نسب أرباحه وفق السعر الجديد وكذلك سيحدد نسب تخفيض وفقاً للسعر أيضاً.

وأشار إلى أنه يوجد بعض التلاعب من قبل بعض التجار بالنسبة لقضية التخفيضات، فقد يعمل على رفع السعر بشكل مضاعف ويضع نسبة تخفيض تصل إلى 60% وبالتالي فهو لم يخفض شيئاً وإنما عاد إلى السعر الحقيقي للسلعة، لافتاً إلى أن ذلك سيؤثر بالدرجة الأولى على مبيعات التاجر، لأن المستهلك وخاصة ذوي الدخل المحدود سيلمس ارتفاعاً في أسعاره، وبالتالي لن يشتري، ولكن هذا الأسلوب في الاحتيال موجه إلى المستهلكين ذوي الدخل المرتفع، لأنهم قد ينغرون بهذه النسب في التخفيض التي تعتبر وهمية.

وأكد الباحث الاقتصادي أهمية أن تقوم جمعية حماية المستهلك ووزارة التجارة الداخلية على توعية المستهلك حيال هذه الأمور وخاصة في قضايا الاستهلاك وتعزيز ثقافة الشكاوى لديه في حال وجد أي تلاعب بالأسعار أو أي غبن تعرض له من قبل أي بائع.

ووجد الباحث أن موسم التخفيضات هذا العام لن يكون كباقي المواسم الأخرى، ذلك أن القدرة الشرائية لدى المستهلكين انخفضت كثيراً، وبالتالي السوق يعاني من ركود واضح ومعظم الألبسة في الأسواق هي بضائع راكدة منذ زمن.

جمعية حماية المستهلك:على المستهلك توخي الحذر

أوضح جمال السطل أمين سر جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها  في تصريحه لـ(النور)، أن على المواطن أن لا يثق كثيراً بما يجري إعلانه من تخفيضات على الألبسة والأحذية، مشيراً إلى أنها (غير حقيقية)، متسائلاً: (عندما يقوم البائع بتخفيض سعر الألبسة بنسبة 60% فما هي نسبة الربح التي كان يربحها قبل التخفيض؟).

ونبه السطل إلى أن هناك بعض المحال التجارية يقومون برفع أسعارهم، ثم يعلنون عن التخفيضات لكي لا يتقلص هامش ربحهم، وهنا مسؤولية الجهات الرقابية وعليها التحقق من ذلك.

العدد 1136 - 18/12/2024