جرحان يشبهان الوجع

1 – الجرح الأول: خارج الحدود.

عيناها تتجولان في حيرة، مرةً على ساعة الهاتف النقال، ومرةً على عقارب ساعة الحائط، ليس الزمن دائماً هو معرفة الوقت، بل قد يكون هو الترقب والانتظار لما سيأتي.

على أقرب كرسي، رمى مجموعة من الأوراق، تمتمَ: ها هو ذا جواز سفري وأوراقي جاهزة لأغادر هذا الجحيم.

لم تسأله عن أي جحيم يقصد، فهي تعيش معه ومع الجميع في الجحيم نفسه.

بدأت تتلمس الأوراق، قالت لا بد أنها كذبة نيسان، أنت معروف بمزاحك الثقيل جدا، كما في كل مرة؟!

أيّ كذبةٍ.. وهذا الشهر ليس هو نيسان أصلاً!

أبعدت الأوراق من تحت عينيها، فالدموع قد تنزع الأختام والحبر، فتفقد الأوراق قيمتها.

كل أيامنا صارت كذباً بكذبٍ، هل تعرف ماذا يحدث، هل كل ما يجري حولنا هو مزحة ثقيلة، أم كذبة، أم حقيقة؟ من يعرف شيئاً حول هذا؟ بالتأكيد لا أحد.

عقارب الساعة لم تتوقف هذه المرة، يوم، يومان، ثلاثة، أسبوع، شهر، مرت الأيام بزمن الشهاب العابر في السماء.

ذات صباح، استيقظتْ على شذى عطر باقة ورد يانعةٍ مع رسالة ورقية تقول: اليوم ستكون لديك مفاجأة مني انتظريها.

كانا متفقين منذ الأمس على أن يحتفلا بأي مناسبة.

المهم أن يخترعا مناسبة يفرحان بها، وإن كانت في غير أوانها.

لم تشعر بعقارب الساعة ما إن كانت بطيئةً أم سريعة، أو هل هي تتحرك أصلاً أم لا تتحرك.

يتوقف الوقت، تضيع ملامح الزمن في حالة انتظار المفاجأة المجهولة، فقد حان وقتُ قدومهِ.

بانتظار المفاجأة التي وعدها بها، ارتدت ثياباً تليق بعرس أو بأي حفل، نشرت الشموع، رتبت بعض كؤوس الشراب، كما يحب هو أن تكون في كل مناسبة.

تنتظر أن يفتح الباب ليدخل مبتسماً كالعادة، ليقبلها، ثم يمد يده بالهدية المفاجأة، قد تكون الهدية غرضاً ثميناً، أو كلمات شاعرية جميلة، أو قبلة على جبينها، وكلها هدايا ذات قيمة كبيرة من حبيب.

رسمت على وجهها ابتسامةً بانتظاره.

لم تسمع أي حركة لخطواته قرب الباب الذي تقف خلفه، لكنها سمعت صوت هاتفها النقال يصدح بنغمة رسالة يقول فيها:

– بعد قليل سأكون خارج الحدود، هذه هي المفاجأة التي وعدتكِ بها.

تدور حول طاولة الاحتفال وابتسامة باهتة مرسومة بقسوة على وجهها.

أشعلت الشموع لتبدأ الحفلة التي كان يجب أن يحتفلا بها.

تنفخ على الشموع كما في عيد الميلاد، تغني سنة حلوة يا جميل، سنة حلوة يا حبيبي!

تنظر إلى التقويم السنوي المعلق على الحائط، تتمنى لو أن اليوم هو الأول من نيسان، ليكون كل ما يحدث كذبة بشعة، ومزحة ثقيلة، تنتهي بانتهاء الساعات القليلة القادمة.

**

2 – الجرح الثاني: سجون انفرادية

بأصابع ترتجف توتراً، تتناول فنجان قهوتها الباردة، لم تكن تشعرُ ما إن كان للقهوة طعمٌ أم لا.

تتكئُ إلى جانب عصفورين في قفص، تتمعنُ في حياتهما، يراود مخيلتها أنهما بالتأكيد يحلمان بالسماء والأشجار.

أيها القوَّامون على النساء، أنا أيضاً أحلم بالنور والهواء، أحلم بارتياد الساحات الواسعة، أشتهي أن أرى كيف تكون الشمس.

أحبُّ أن أعرف كيف تتحرك ذؤابات الشعر في الهواء الطلق.

لم أُخلقْ لأكون خلفَ الشبابيك المغلقة، والستائر السوداء، ضمن هذا القفص الكبير المصنوع من الحجر والرخام، مكبلةً بالقيود التي تحجبُ أحلامي عن حقيقة الحياة.

سأفتح كل النوافذ، ربما يدخل الضوء.

أيها العصفوران سأفتح لكما باب القفص، كما سأفتح النوافذ لنفسي.

ابتهج العصفوران بفتح باب القفص، طارا يرفرفان يجوبان فضاء الصالة الواسعة، ولما لم يجدا السماء والأشجار، عادا يدخُلانِ القفصَ بهزيمةٍ للنفس وانكسار للحلم.

هي عندما لمْ تجدْ خلف النوافذ سوى العتمة، أغمضت عينيها، تتأملُ كيف سيكون شكل الشعاع القادم من الشمس.

العدد 1140 - 22/01/2025