ترامب يدفع المنطقة إلى حافة الهاوية

 تتضح أكثر فأكثر أهداف السياسات الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد أن قرر ترامب رفع مستوى التصعيد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران 5+1.

ترامب مهّد لهذا التصعيد بقيادته للعدوان الثلاثي على سورية دعماً للإرهابيين الذين دُحروا من مناطق عدة، وخاصة من الطوق الذي كان يحيط بالعاصمة. لقد أدى نجاح الجيش السوري الباسل وحكمة التعامل مع المصالحات في هذه المناطق التي تزنّر دمشق إلى زيادة مخاوف الأمريكيين وحلفائهم من استثمار الحكومة السورية هذه النجاحات في استئناف العملية السياسية في البلاد بعيداً عن الأهداف التي توخّتها الإدارة الأمريكية منذ بداية تدخلها في المسألة السورية، وجاءت الاعتداءات الصهيونية المتكررة على مواقع الجيش السوري لتصب في الاتجاه ذاته، لكن التصعيد بهذه الاعتداءات وإسقاط الطائرة الإسرائيلية قرع ناقوس الخطر في البيت الأبيض. ثم أتى بعد ذلك الانسحاب الأمريكي من الاتفاق مع إيران، فرفع مستوى التصعيد إلى حافة الهاوية.. إلى حافة الحرب.. بهدف ابتزاز دول المنطقة، عن طريق التلويح بالخطر الإيراني في الخليج، وفي سورية ولبنان.

المبررات الأمريكية للانسحاب من الاتفاق كانت (مفضوحة) أوربياً وعالمياً، فإيران التزمت ببنود الاتفاق حسب شهادة الحكومات الأوربية والمنظمة الدولية، لكن للأمريكيين رأياً آخر، والمسألة بالنسبة إليهم تتعدى الاتفاق إلى المنطقة بأسرها، بعد هزيمة الإرهابيين في سورية والعراق.

المحللون المهتمون بالشرق الأوسط يرون أن التلويح الأمريكي بإشعال الشرق الأوسط، على وقع التهويل بالخطر الإيراني- السوري، يستهدف في النهاية خدمة الاستراتيجية الأمريكية – الصهيونية في المنطقة، وتنصيب الكيان الإسرائيلي، خاصة بعد توافق مشايخ الخليج و(تفهّمهم) لمبرراته، حارساً ساهراً على المصالح الأمريكية في منطقة تُعدّ الأغنى والأكثر أهمية جيوسياسياً في العالم، والتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وتكوين دولته وعاصمتها القدس.

المنطقة على حافة الهاوية، لكن هذا لا يعني أن الحرب لا بدّ واقعة، فما تزال المساعي السياسية للتهدئة متواصلة، وتسعى الحكومات الأوربية وروسيا إلى إيجاد الحلول لعودة الوعي والتعقل إلى سلوك الإدارة الأمريكية، وربما يكون تصريح ترامب الأخير بالسعي إلى اتفاق (أفضل) مع إيران، يصب في هذا الاتجاه.

الحروب كانت ومازالت وسيلة الإمبريالية الأمريكية لحل أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، لكن عالم اليوم يختلف كثيراً عن عالم الأمس، والمراهنة على نتائج هذه الحروب محفوفة بالمخاطر.

الجيش السوري يتابع تطهيره لجنوب العاصمة في الجيوب الداعشية، والمنطقة الوسطى أصبحت خالية من خطر الإرهابيين، والشعب السوري الصامد خلف جيشه الوطني الباسل متفائل بإنهاء الأزمة السورية، لكنه من جهة أخرى لن يتنازل عن شبر واحد من أرض بلاده، وسيواصل صموده من أجل دحر العدوان التركي والتدخل العسكري الأمريكي والفرنسي، ولن يرضى إلا بسورية الواحدة الموحدة أرضاً وشعباً، سورية ذات السيادة، وهذا ما علينا ملاقاته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

إن تلبية متطلبات صمود الشعب السوري مهمة موضوعة أمام أصحاب القرار في الحكومة والقيادة السياسية العليا، ونكرر هنا ما ذكرناه مراراً على صفحات (النور): إن توافق السوريين، بجميع مكوناتهم السياسية الوطنية، يسحب ملف أزمتهم من أيدي الغرباء، فلنعمل على عقد مؤتمر وطني سوري على أرض بلادنا، ولنتوافق على رسم معالم سورية المستقبل، التي يريدها السوريون جميعاً ديمقراطيةً علمانية.. معادية للإرهاب والرجعية.

العدد 1140 - 22/01/2025