أزمة المياه وواقع البلدان العربية
البلدان العربية تعيش حالة من الشح في مصادر المياه، وحتى الأنهار التي تغذيها تنبع من خارج أراضيها، وهذا الوضع ليس مقلقاً فحسب، ولكنه يستدعي أن تتخلى هذه الدول عن تهاونها الذي استطال، لتفكر في حل لهذه المشكلة.
لقد بلغ متوسط الاستهلاك السنوي الحالي للمياه على مستوى العالم 4130 كم مكعب، بواقع 700 م3 لكل نسمة تقريباً، وذلك في أوائل القرن الحادي والعشرين (1). ومن ذلك أن الاستهلاك في حدود 10% من المياه المتجددة سنوياً على هذا الكوكب.
أما على مستوى المنطقة العربية فتبلغ كمية المياه العذبة المتجددة سنوياً 132 كم مكعباً من مصادر طبيعية على أرضها، وهي الأمطار وما يترتب عليها من مياه جوفية وروافد نهرية، وهي تعادل 0,32% فقط من المياه العذبة على كوكب الأرض.. فإذا أضفنا إلى هذه الموارد الطبيعية الموجودة فوق المنطقة العربية المياه الواردة إليها من الأنهار التي تنبع خارج المنطقة العربية، يصبح إجمالي المياه العذبة المتاحة في المنطقة العربية 294 كم،3 أي ما يعادل 0,72% من المياه العذبة في العالم (2)، في حين تبلغ مساحة البلدان العربية 2,7% من مساحة الأرض، ولو كانت المياه العذبة موزعة توزيعاً متوازناً على الأرض، لكان نصيب المنطقة العربية حسب مساحتها يعادل 1098 كم مكعب في العام.. ويقدر المتوسط السنوي لنصيب الفرد في البلدان العربية من المياه العذبة بنحو 630 م3 أي 8,5% من متوسط نصيب الفرد على المستوى العالمي والبالغ 7420 م مكعباً، ويبلغ مقدار الاستهلاك السنوي للمياه العذبة في البلدان العربية 215 كم مكعباً، وهذا يفوق مواردها الطبيعية المتجددة فوق أراضيها بـ83 كم،3 أي أن البلدان العربية لا يمكنها الاعتماد على مصادر المياه العذبة المتجددة فوق أراضيها، إذا إنها تكفي لسد 61% فقط من احتياجاتها، ولكن إذا أضفنا إلى هذا الموارد المياه التي تصل إلى المنطقة العربية من الأنهار التي تنبع من بلاد غير عربية يصبح إجمالي المياه العذبة المتاحة فيها 294 كم مكعباً في العام كما ذكرنا، بفائض سنوي قدره 795 كم،3 ولا شك أن المصادر الطبيعية الموجودة خارج المنطقة العربية غير مضمونة وغير مأمونة وعرضة لتحكم دول أخرى، وبالتالي فهي مصدر محتمل للنزاعات.
تدل المعطيات على أن 65% من المياه العذبة في العالم تصب في البحار، وتذهب أجزاء أخرى إلى التبخر أو التسرب في التربة، فالمشكلة إذاً ليست في ندرة المياه العذبة على الأرض، لكن في عجز الإنسان عن الاستغلال الأمثل لها. ولعل السبب الرئيسي لذلك يتمثل في أن المياه العذبة على الأرض موزعة توزيعاً غير متوازن جغرافياً وزمانياً، ويتمثل التوزيع الجغرافي غير المتوازن في وجود الجانب الأكبر من رصيد الأرض من المياه العذبة على هيئة ثلوج وجليد في المناطق المتجمدة، كما تتفاوت كمية المياه العذبة من منطقة إلى أخرى، إذ يصل أقصاها في البرازيل لتبلغ 5190 كم،3 أي ما يربو على 13% من المياه المتجددة سنوياً في العالم، تليها روسيا الذي يبلغ رصيدها نحو 4050 كم،3 بينما تشح المياه العذبة وتكاد تنعدم في بلد مثل جيبوتي لتصل إلى 0,3 كم3 في العام، كما أن توزيع المياه العذبة لا يتفق مع توزيع السكان على الأرض، إذ تتفاوت الحصة السنوية للفرد من المياه المتجددة من منطقة إلى أخرى.
وبجانب التوزيع الجغرافي غير المتوازن للمياه العذبة هناك أيضاً توزيع زمني غير متعادل، إذ تتغير إمدادات المياه العذبة تغيراً كبيراً مع فصول السنة، فتتوافر الأمطار في شهور بذاتها وتقل أو تمتنع تماماً في شهور أخرى.
وقد قامت العديد من الدول في محاولة منها للاستفادة من المياه العذبة استفادة ريعية ببناء السدود والترع والقنوات، وأدى ذلك إلى تحسين استغلال المياه العذبة لمصلحة الناس، إلا أن كمية المياه العذبة التي لاتزال تغذي البحار هي الأكبر. ولا شك أن هناك تبايناً شديداً بين الدول من حيث وفرة المياه العذبة بها أو ندرتها، وما يهمنا هو البلدان العربية، التي تزيد المياه العذبة على احتياج بعضها مثل العراق ولبنان، وتتعادل الموارد الداخلية والخارجية للمياه مثل مصر وسورية، بينما تعاني بلدان أخرى مثل دول الخليج وليبيا وغيرها من نقص شديد في موارد المياه العذبة على أراضيها.
النزاع حول أحواض الأنهار
إن أحواض الأنهار في المنطقة العربية المؤهلة لأن تصبح نزاعات محتملة هي:
حول نهر النيل: يعتبر نهر النيل أطول أنهار العالم على الإطلاق، إذ يبلغ طوله 6650 كم، ويضم حوضه تسع دول تتشارك في مياهه، ومن بينها مصر والسودان، وتوجد منابعه خارج المنطقة العربية.
تقدر احتياجات مصر من المياه العذبة بنحو 57 كم3 في السنة، في حين لا تتوافر لديها مصادر داخلية على أرضها سوى 2,6 كم3 سنوياً، وتحصل على حصة مقدارها 55, 5 كم3 من ماء النيل. إن مصر هي أشد دول حوض النيل احتياجاً لمياه هذا النهر، فهي تحصل منه على 95% من حاجاتها إلى المياه العذبة. أما دولتا جنوبي السودان وشماله فمصادرها الداخلية تبلغ نحو 0_ كم3 من المياه العذبة في السنة، ويرد إليهما نحو 100 كم مكعب من مياه النيل يحصلان على حصة مقدارها 43,5 كم3 ويتجه الباقي شمالاً نحو مصر، وهناك اتفاقية بين السودان ومصر وقعت عام 1959 يتم بمقتضاها توزيع مياه النيل بين الدولتين، ويأتي بناء سد كبير على النيل الأزرق من قبل إثيوبيا، ليشعل الخلافات حول المياه بين هذه الدول الثلاثة، ويفسح المجال بذلك للتدخلات الخارجية بهدف استخدامها للضغط السياسي، على هذا البلد أو ذاك، وعلى الأخص مصر.
حوض نهر الأردن: يضم خمس دول هي الأردن وفلسطين وسورية ولبنان والكيان الصهيوني، ولقد كان أحد أسباب اندلاع حرب عام 1967 بين العرب وإسرائيل هو تخوف الدول العربية المعنية، وبالدرجة الأولى سورية، من تحويل مجرى النهر من قبل الكيان الصهيوني ليوجه للمياه الداخلية الإسرائيلية.
حوض دجلة والفرات: يضم حوض دجلة والفرات: تركيا والعراق وسورية. ينبع هذان النهران من تركيا، ويعتمد كل من سورية والعراق على مياه النهرين، وتقدر كمية المياه التي كانت ترد إلى سورية بنحو 28 كم3 وللعراق بنحو 66 كم 3 وقد شيدت تركيا خلال السنوات الماضية سلسلة من السدود على نهر الفرات، فيما عرف بمشروع الأناضول الكبير، وقد أدى ذلك إلى تقليل حصة كل من العراق وسورية من المياه العذبة التي تصل إليهما من المنابع الواقعة في تركيا. وإضافة إلى ذلك فقد حوّلت تركيا العديد من مجاري الأنهار الصغيرة التي تنبع من أراضيها من الأراضي السورية، بهدف ممارسة الضغط السياسي عليها.
الحلول وأبرزها
زيادة فاعلية استغلال المياه، ومنها إعادة تدوير المياه للاستخدامات الزراعية والصناعية والمنزلية، وتقليل الفاقد في البحر عن طريق التوسع في استخدام الأنابيب لنقل المياه من منطقة إلى أخرى بدلاً من القنوات المكثفة، والتخلي عن استخدام الطرق التقليدية لري الأراضي الزراعية، والبحث عن طرق اقتصادية للري تلائم كل منطقة وتوفر المياه وتحافظ على نوعية التربة، وتعميم استخدام هذه الطرق.
– التعاون بين الدول المتشاركة في مياه الأنهار لأجل الاستغلال السلمي بها بدلاً من النزاع والصراع، ويمكن للعراق وسورية في حال تضامنتا معاً أن تنتزعا حصصهما من المياه بصورة عادلة من تركيا.
– هناك أيضاً حلول علمية لتوفير المياه العذبة تتمثل في تحلية مياه البحار، وتأمين الطاقة الرخيصة اللازمة، المتوفرة بصورة واسعة في البلدان العربية، وهي طاقة الشمس، وذلك من أجل تخفيض الكلف. هذه الطاقة المتوفرة في العالم بكميات هائلة تصل إلى 250 واط لكل متر مربع، وفي بعض المناطق كما في البلدان العربية تصل إلى 300 واط لكل متر مربع.
أخيراً.. تبقى مسألة توفير المياه العذبة بالنسبة للبلدان العربية، إحدى المسائل فائقة الأهمية، بالنسبة لمستقبل شعوب هذه البلدان، وخصوصاً أن نسبة نمو السكان فيها هي من أعلى نسب النمو العالمي، وأن الخط البياني لاستهلاك هذه المياه هو في تصاعد مستمر.
************
(1)- مكتب اليونيسكو لدى الدول العربية.
(2)- المصدر نفسه.