الأسعار ومستوى المعيشة وسعر الصرف
تختلف السياسات والبرامج والنهج الاقتصادي للدول حسب مراحل النمو والتنمية، وكذلك تختلف ما بين بيئة أمن وأمان وبيئة حرب وصراع وأزمة، وحتى ضمن الأزمات والحروب لكل مرحلة برامج مختلفة، وفي سورية نستطيع القول بالنسبة لما كان مخطط وما راهن عليه الأعداء إن الإدارة الاقتصادية للأزمة كانت في الإطار الكلي العام ناجحة وفق المنظور الأزموي، للحفاظ على مؤسسات الدولة والتكيف مع الموارد المتاحة. هذا التعاطي منع تحويل الدولة السورية إلى دولة هشة فاشلة رغم قسوة الأدوات وتعددها وبعدها اللا إنساني، ولكن النجاح من منظور أزموي لا يعني عدم وجود ثغرات قد تتماهى مع ما يتمناه الآخرين للولوج إلى أهدافهم القذرة، ولكن دوماً في الأزمات، وخاصة المعقدة والمركبة، تبقى الأهداف الوطنية الكلية هي الأهم وهي المنظار، ويبقى للجزئيات دور ثانوي أو غير رئيسي. فرغم الآثار السلبية للسلوكيات اللا حضارية لقوى متوحشة، هدفها فرض وقاحة قوى التعولم ووحشيتها، من فقر وتشرد ونزوح وعطالة وهجرة وموت وإعاقة ونهب وسرقة وحرق وإعاقة وإخراج طاقات إنتاجية، ورغم حجم الدمار والنهب والسرقة (حوالي 300 مليار دولار حجم الخسائر)، ورغم العقوبات اللاإنسانية والحصار الظالم الذي كلف 22 مليار دولار، وجعل التوريد حتى للسلع الضرورية شبه مستحيل وأقل محدودية، وأماكن التوريد قليلة.
رغم كل ذلك كان لتكامل الأساليب والسياسات والبرامج من تقشف إجباري عبر تزاوج سياسات اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية، وعبر الخطوط الائتمانية والمعونات، وعبر التحايل على العقوبات بأشخاص وتسهيلات، أثر كبير في تجاوز المخطط التدميري الاستنزافي القاتل للحجر والبشر.
ومر العام الماضي شبه خالٍ من الأزمات، ورغم صعوبة المعيشة والظروف القاسية، تماهى صبر الشعب مع منجزات المؤسسة العسكرية، لينقذ البلد من القتل المبرمج، ضمن معطيات وأرقام بمتوسط أجور حوالي 26 ألف ليرة سورية، والحاجة إلى مبلغ حوالي 235 ليرة سورية لتأمين الحاجات الأساسية (تعليم، صحة، سكن، كساء، غذاء، لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص).
وإن أردنا توسيع حاجات الحياة لتكون الأسرة ضمن عداد الطبقة الوسطى على تخوم المعيار وليس في العمق، يتطور هذا المبلغ ليصبح على أبواب 300 ألف ليرة سورية، ورغم ذلك حافظ الشعب على حياته وسط تقشف إجباري، لعدم توفر الإمكانات، تقشف انعكس على نوعية الغذاء والكساء وأسلوب التنقل والتواصل. ورغم الإنجاز عبر تكامل الدور الوظيفي لأغلب الشعب ولبعض العقلاء الوطنيين، كانت هناك ثغرات لم نعرف لها تحليلاً، ويبقى دورنا تسليط الضوء عليها، ودور المعنيين هو تصحيح المسار.
ورغم المعاناة فرضت الأزمة سياسات اقتصادية أزموية راعت مخلفات الأزمة، فكان دور وزارة حماية المستهلك محدوداً، سواءٌ في المراقبة أو المتابعة أو التدخل لتقويض الاحتكار، علماً أنه في الأزمات تكون الإدارة الحكومية هي الأساس. ورغم إعادة وزارة حماية المستهلك للحياة بعد أن قتلها نهج الدردرة قبل الأزمة، ولكن لم تكن إلا هيكلاً وكأنها لم توجد، سواء من حيث مراقبة الأسعار أو التدخل الايجابي أو مواجهة الاحتكار، فكانت فوضى الأسعار هي العنوان وكانت تابعة للسوق بدلاً من أن تكون أسعارها هي المعيار، وكانت فاشلة في التدخل الإيجابي، لأنها قيدت نفسها بالاستجرار من محتكري المواد أنفسهم. وحتى عندما أرادت أن تثبت وجودها لُويت ذراعها رغم هامشية السلع التي تصدت لفرض أسعارها (المتة والشاورما…) متناسية الحاجات الأساسية للمواطن المأزوم بمنعكسات أصعب أزمة تتذكرها البشرية. وكانت حركتها بلا بركة ولم تستطع أن تعيد الثقة للمواطن ليأخذ دوره كمراقب ومساند لفرض عملها في ضبط الأسعار وحماية المستهلك، حتى عقوباتها كانت انتقائية ولم تكن وسيلة وإنما غائية فقط، واستمرت تبعية جمعية حماية المستهلك للوزارة بدلاً من أن تكون مستقلة وتؤازر بجمعيات أهلية ضاغطة لفرض أسعار موازنة للتكاليف تحقق العدالة بين المنتج والمواطن.
وبالنسبة للسياسات النقدية كان يوجد تخبط، وهو ما وجدناه في الفترة الأخيرة بخصوص السيارات والقرض العقاري، وكذلك التصريحات التي قطعت الطريق على هبوط سعر الصرف، وهو ما نادينا به: سعر صرف منخفض ينعكس على أسعار الطاقة، وبالتالي تنخفض تكاليف الإنتاج فتتحسن معيشة المواطنين بدلاً من زيادة الأجور.
سياسة المركزي غريبة، فهل هي أزموية معروفة أم تتعرض لضغوط؟ وهنا يجب وضع مخطط يحوي أبعاد الخيارات لسعر الصرف للسير به، وعدم التخفي والتستر، وإن كانت رؤية سعر صرف منخفض علاجاً في ظل استخدام الأدوات النقدية المتاحة والمتحكم بها وفي ظل التعاون كفريق عمل لكل الوزارات والمؤسسات المعنية، وحسم هذا الخيار ضرورة للسير بخيارات تحسن معيشة المواطن المنتظر والصابر والصامد والحاضن لأبطال حماية سورية، مع تأكيدنا أن أي زيادة للأجور في ظل المعطيات الحالية لن تؤدي ما يراد منها، وقد يحصل العكس وفق متوالية تضخمية لا تنتهي، ولكن هذا لا يعني الاختباء وفرض الأمر الواقع الصعب.