في حضرة بذخهم وترفهم.. إله الجوع السوري يترنح ألماً
سمعنا في أساطير الأولين عن آلهة ترمز إلى العناصر الطبيعية في حياة البشر منذ الأزل، كآلهة الخصب وآلهة الحب، وآلهة البرق والمطر والرعود وآلهة الجمال. ولكن ما لم نسمع عنه هو إله الجوع الذي صاغ طينته وساهم في خلقه ملوك الحروب ومن خلفهم جيش من اللصوص والفاسدين وعوالق الدماء من تجار ومرتشين وأثرياء حديثي العهد بالثراء مغتنمي الفرص في السرقة ونهب أموال الناس خلال الست سنوات الماضية من عمر الأزمة السورية.. عمت الفوضى في بلد نال نصيبه من حرب قذرة تعاظمت فيها مشاركة القوى الاستعمارية والصهيونية وحتى العربية أيضاً، كل أولئك تكاتفوا وتعاضدوا لإسقاط الدولة السورية. أما في الداخل فقد استغل بعض صغار النفوس انهماك الدولة بقتال المارقين والتكفيريين، فطافت أحلامهم القذرة على مستنقع الحرب والجثث، واشرأبّت أعناقهم نحو تحقيق غاياتهم في ملء خزائنهم بالمال المنهوب من جيوب الفقراء في بلدنا.
هو المشهد المؤذي والمنفر المتجسد بالانحراف الكلي عن السجية الأخلاقية والإنسانية.. فلا يكفيهم ما سرقوه بل اتجهوا نحو التفاخر بسرقاتهم والتباهي بممتلكاتهم.. أصبح كل شيء في هذه الحرب مباحاً وأصبحت القيم الإنسانية في أدنى درجات الحضيض، وقلبت المفاهيم حتى ليحسب المرء نفسه وكأنه على كوكب الشياطين أو في غابة يقتل قويّها صغيرها.فمتى كان اللص يعلن عن نفسه ويتفاخر ويسكن القصور والبيوت المحصنة والمزدانة بالرخام والأرضيات الفاخرة والفرش النفيس؟! ما كان ليحصل كل هذا لولا انقلاب المفاهيم الإنسانية.
يقال بأن زوجة أحد اللصوص المستفيدين من الأزمة السورية تباهت بشرائها تحفاً لبيتها بمليوني ليرة سورية وبأن زوجها اللص يملك مليار ليرة سورية، في الوقت الذي يرزح الشعب فيه تحت وطأة الجوع.. ويقال أيضاً إن تاجراً كبيراً جداً بلغت تكلفة عرس ابنته في لبنان منذ أشهر مليوني دولار، وكان عرساً ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي لكثرة الترف والبذخ الذي حضر في ذلك العرس..أما قصر فرساي في باريس فقد شهد حفل زفاف أيضاً كان لأحد أبناء رجال الأعمال السوريين المعروفين وقد فاقت تكلفته 100 مليون دولار؟؟
يقول السوريون بذخ الأغنياء هذا ما كان ليتجسد واضحاً ووقحاً لولا سرقتهم لحقّنا في كل شيء ابتداء بالطعام وانتهاء بالسكن ومروراً بكل الحاجيات الأساسية في الحياة.. في علم النفس صغار النفوس هم من يتبجحون بالأموال لأن في نفوسهم الصغيرة جوعاً إلى العظمة التي تأبى الانقياد، فيحاولون أن يبتزوها من الغير ابتزازاً.. فما بالك إن كان صغار النفوس هؤلاء هم لصوص في وضح النهار؟
أما أنتم يا أثرياء بلادي..ألم تقرؤوا عن سيرة الناس ذوي النفوس الكبيرة الذين إذا أغدقت الحياة عليهم الأفراح ستروها عن عيون الحزانى، وإذا كانوا شباعاً خجلوا من التحدث عن شبعهم أمام الجياع؟ كيف تتباهون أمام أعين من لم يجد لقمة يملأ بها بطون أولاده الجياع..؟؟ كيف تستعرضون سيارات الزفاف الفاخرة كما حصل منذ أسبوع على أتستراد المزة فتقطعون الطرقات بمواكبكم الفاخرة وتقطعون قلوب الفقراء ألماً لدى مرورهم ورؤيتهم لبذخ كهذا؟
بناتكم وزوجاتكم يتفاخرن بالحرير في حين لا تجد بنات وزوجات الفقراء ما يستر عريهم ويدفئ شتاءاتهم الباردة؟… ولكن كما قيل سابقاً: إن لم تستحِ فاصنع ما شئت! وباهِ من شئت واشرب من دماء من شئت.. فهكذا هي الحياة..العدالة فيها ليس لها تاريخ ووجهها مسكون بالأسى وأنين المسحوقين الذين كانت أجسادهم ودماؤهم معبراً لهفوات اللصوص والأغنياء وتبجحهم.
كفوا عن استعراض مالكم ولتكن لكم مع الله ومع الجياع صحوة وعهد بإرجاع الحق المسلوب لأصحابه وبتحويل أموال البذخ في حفلاتكم إلى جمعيات خيرية تعنى بشؤون الجياع والأرامل واليتامى وكل من هدمت الحرب بيته وأحلامه.. هي دعوة ندعوكم لها مع علمنا أنها قد لا تلقى آذاناً مصغية، ولكن لعل وعسى تستجيب نفوسكم فتقفون مع دولتكم وجيشكم وفقراء بلدكم وقفة سيذكرها التاريخ..