إلى متى المعاناة في تسويق التفاح بطرطوس..!

تحتل محافظة طرطوس المرتبة الثانية بين محافظات القطر بإنتاج التفاح، بعد محافظة السويداء، ويعتمد قسم كبير من فلاحي المحافظة على ما تنتجه بساتين التفاح، ولكن الملاحظ هذا العام كان قلّة العبوات البلاستيكية بشكل كبير وملحوظ مع الإشارة إلى أن المحصول يقارب إنتاج العام الماضي، فتعالوا معنا لنسلّط الضوء على الصعوبات والمعوقات التي يعاني منها مزارعو التفاح بطرطوس في تسويق المحصول:

بداية الجولة كانت مع رئيس الرابطة الفلاحية في الدريكيش، فحدثنا عن مشاكل تسويق التفاح هذا العام: إن إنتاج المحافظة من التفاح خلال هذا العام كان مشابهاً تقريباً لإنتاج السنوات الماضية، ولم تطرأ زيادة ملحوظة على الإنتاج بسبب العوامل المناخية أثناء فترة الإزهار ما جعل نسبة عقد الأزهار ضعيفة نوعاً ما، وهذا المناخ أدى أيضاً إلى انتشار بعض الأمراض الفطرية، مع الإشارة إلى أن الأدوية المستخدمة كانت غير مجدية بالشكل المطلوب بسبب استخدامها لسنوات عديدة مما تسبب بوجود سلالات ذات مناعة لهذه الأدوية والمبيدات، إضافة إلى الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الأدوية مؤخراً فقد تضاعف سعرها أكثر من سبع مرات، وبالتالي كل تلك العوامل مجتمعة أدت إلى عدم زيادة إنتاج محافظة طرطوس من التفاح خلال هذا الموسم عمّا كان عليه العام الماضي، والشيء الايجابي الملاحظ هذا العام هو التسعيرة التي وضعتها لجان تحديد الأسعار، إذ حُدِّد سعر الستاركن الأحمر الأول بـ(145 ل. س) والكولدن الأول بـ(135ل.س) وتدرّجت الأسعار بما يتناسب وتكلفة الإنتاج فيما لو جرى تسويق كامل إنتاج هذا العام.

مطالب محقّة.. وخشية

عدد من المزارعين الذين التقينا بهم من مزارعي التفاح في المحافظة، نذكر منهم السيد أبو محمد والسيد أبو خليل، تحدّثوا عن ضرورة تأمين مبيدات زراعية حديثة غير مستعملة في السنوات السابقة لتكون فعالة ضد الأمراض والفطريات التي اعتادت على للأدوية المستخدمة حالياً وشكلت مناعة تجاهها، وأن تكون تحت إشراف جهات وصائية لتكون فيها المادة الفعالة غير منتهية الصلاحية، إضافة إلى مراعاة خصوصية كل محافظة، فالمناخ في طرطوس يختلف عما هو عليه الحال في حمص أو اللاذقية أو حتى السويداء، مع الإشارة إلى أن بعض المزارعين لفت إلى ضرورة مساواة المزارع في طرطوس مع المزارع في محافظة السويداء، فالمزارع في طرطوس يكافح أكثر من مزارع السويداء بسبب الظروف المناخية السائدة في طرطوس التي تؤثر سلباً على إنتاج التفاح ونوعيته، إذا لم يكافح الأمراض.

في الحقيقة ومن خلال متابعتنا لهواجس الإخوة الفلاحين وجدنا لديهم خشية وخوفاً من عدم جاهزية مؤسسة الخزن والتسويق لتسويق إنتاجهم في حال عدم توفر صناديق ووسائل النقل والبرادات الكافية مع بدء نضج الموسم، الأمر الذي سيدفع الفلاح لطرح منتجه في سوق الهال بأسعار متدنية للكيلو، فضلاً عن شكوى الفلاح من الخسائر التي يتكبدها بسبب ارتفاع أسعار المبيدات الزراعية التي يحصل عليها من الصيدليات دَيناً وانتظاره تسويق منتجه عن طريق الخزن ليسدد ديونه ويتمكن من تأمين مستلزمات الإنتاج للموسم القادم.

عملية التسويق بدأت مع بداية أيلول وتستمر حتى تشرين الأول، ويتمنى الفلاحون إيجاد عقود توريد خارجية لدول الجوار الصديقة لتصريف الإنتاج والسعي لزيادة خطوط الفرز والتوضيب والتغليف بما يضمن الجودة والجاهزية للتصدير، لا سيما أن المؤسسة لا تستطيع التسويق إلى المناطق الساخنة كما لا يجري التسويق للمحافظات المنتجة داخل القطر.

26ألف طن

قدرّت زراعة طرطوس موسم التفاح لهذا العام بـ 26 ألف طن، بزيادة نحو أربعة ألاف طن عن الموسم الماضي.. وبيّن المهندس رائد شاليش مدير فرع الخزن والتسويق في طرطوس أن الفرع بدأ بإرسال الصناديق للفلاحين في مناطق الإنتاج، وخاصة منطقتي الدريكيش والشيخ بدر باعتبارهما من أولى المناطق إنتاجاً، وذلك بالتنسيق مع اتحاد فلاحي طرطوس، وبلغ عدد الصناديق الموزعة 3500 صندوق، علماً بأن لدى الفرع صناديق تغطي كامل مناطق الإنتاج وفي حال النقص سيتم اعتماد الصناديق نصف حقلية. مضيفاً أن الفرع على استعداد لتسويق كامل الكميات التي ستعرض عليه وذلك ضمن المواصفات المطلوبة ووفق التسعيرة المحددة التي صدرت مؤخراً، وقد جرى تجهيز البرادات للتسويق.

استعدادات وصعوبات

بناء على توجيهات رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس اجتمع محافظ طرطوس مع القائمين على قطاع الزراعة ورئيس اتحاد الفلاحين ومدير فرع المؤسسة العامة للخزن والتسويق بطرطوس ومدير فرع المؤسسة الاستهلاكية، وأكدوا ضرورة تأمين جميع المتطلبات اللازمة لتسهيل تسويق محصول التفاح والتنسيق الكامل بين جميع الأطراف المعنية لهذه الغاية.. وقد علمنا من مصادر معينة أن الصعوبات الأساسية في عملية التسويق تتمثل بأن إمكانات التخزين لدى فرع الخزن والتسويق غير كافية لاستيعاب كامل الكمية المقدرة من هذا الإنتاج لهذا العام، كما أن الصناديق لدى الخزن والتسويق غير كافية وهي بحدود 7 آلاف صندوق فقط، إضافة إلى ضرورة تأمين التمويل اللازم لشراء كامل الكمية المنتجة. وقد جرى تشكيل اللجان وتجهيز البرادات وهي 36 غرفة تبريد تتسع لنحو من 5- 6 آلاف طن. أما فيما يخص البضاعة المصابة بالنقرة المرة فأشار مدير فرع الخزن والتسويق بطرطوس إلى أنه من الممكن شراؤها (دوكما) لبيعها في سوق الهال، لأن تخزينها غير ممكن، فهي تصلح لمعامل العصائر والمربيات.

اجتماع وتسعير!!

كالعادة في كل عام عقد اجتماع تسويقي على مستوى القطر وكان بحضور المدير العام للخزن والتبريد ورؤساء فروع الخزن والتسويق في المحافظات والروابط الفلاحية على مستوى المحافظات، وكانت الغاية من هذا الاجتماع تحديد تسعيرة تأشيرية لمادة التفاح من اجل تسويقها واستلامها من المزارعين بما ينسجم مع التكلفة والواقع، وقد حددت هذه اللجنة سعر الكيلو الواحد من التفاح نوع ستاركن بـ(145ل. س) وبمبلغ (135 ل.س) للكولدن وتدرّجت الأسعار بحسب النوع والصنف.

مشكلة العبوات البلاستيكية

في اتصال مع مدير عام الخزن والتسويق حسن مخلوف للحديث عن مشكلة العبوات البلاستيكية القديمة الجيدة والتي تتكرّر كل عام مع بداية التسويق وجنون أسعارها في السوق السوداء، أكد لنا أنهم يحاولون السيطرة على هذا النقص؟!.

في الحقيقة لا اعلم على المستوى الشخصي كما هو الحال لدى المزارعين ما هو السبب الذي يمنعهم في الخزن والتسويق من تأمين العبوات البلاستيكية وفقاً لتقديرات اتحاد الفلاحين ومديريات الزراعة في المحافظات قبل بدء عمليات التسويق، وبالتالي منع تجار الأزمات من سرقة تعب الفلاح وجهده، ومن الجدير ذكره أن أسعار العبوات البلاستيكية الحقلية وصل إلى 1600 ليرة سورية للعبوة من اللون الأبيض وحوالي 1200 ليرة سورية من اللون الأسود.

كلمة لابد منها

إذا كانت الزراعة من أهم مقومات الصمود، وإذا كان الفلاح يصرّ رغم كل شيء على التشبث بأرضه، فمن واجب الحكومة والمعنيين في الدولة أن يقفوا إلى جانبه بكل ما من شأنه أن يقوي هذا الصمود ويدفعه لبذل المزيد من الجهد والعرق، فهل سنلمس هذا لدى حكومتنا الحالية؟!. هذا مانتمناه ويتمناه الإخوة الفلاحون كي لا تتكرر معاناتهم في الموسم القادم مع تأمين العبوات البلاستيكية والأدوية والمبيدات الفعالة.

العدد 1140 - 22/01/2025