لأسباب مادية..المكدوس على قائمة المحظورات لدى الأسر السورية
مع بداية أيلول تبدأ الأسر السورية بالتجهّز لمونة المكدوس التي تعتبر تقليداً وعرفاً اقتصادياً واجتماعياً يهدف بالدرجة الأولى الحصول على المواد الغذائية الصيفية في الشتاء، بسعر أقل، وحالياً، بدأت الأسر السورية بهذا الأمر، ولكن ليس كما كان في كل عام، ذلك أن منعكسات الأزمة أثرت تأثيراً بالغاً على الوضع الاقتصادي لمعظم الأسر السورية، وباتت هذه الوجبة تتقلص شيئاً فشيئاً من حيث الكمية حتى أن الكثير من الأسر وضعتها ضمن خانة (المحظورات) لأسباب مادية.
ونشرت بعض الصحف المحلية مؤخراً أن تكلفة المكدوسة الواحدة وصل إلى نحو 100 ليرة، في حين استطعنا الحصول على الرقم الدقيق لتكلفة المكدوسة، وذلك من خلال احتساب تكاليف العناصر المكونة لها.
المكدوس أفضل من الفلافل
عضو جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها محمد بسام درويش أشار في تصريحه لـ(النور) أن تكلفة المكدوسة الواحدة تتراوح من 80-60 ل.س، وهي تعتبر أفضل من سندويشة الفلافل التي وصل سعرها إلى نحو 250 ليرة، فإذا وضعنا مكدوسة عدد 2 مع رغيف لا تكلف 190ل س.
وعن التكاليف، لفت درويش إلى أن سعر كيلو الباذنجان حالياً يصل إلى 100ل.س، ويصل سعر عبوة الزيت البلدي (ثلاثة كيلو ونصف) إلى 5600ل.س، وكيلو فليفلة حمراء 400 ل.س، وسعر كيلو جوز وسطياً 3500 ل.س، ليصبح المجموع لكل 10 كغ باذنجان: 1000 ل.س ثمن باذنجان + 3500 جوز + 400 فليفلة + 5600 زيت، يصبح المجموع: 10500 ل.س يقسم الناتج على 140 باذنجانة، ينتج كلفة المكدوسة 75 ل س للواحدة، علماً أن معظم المستهلكين يضعون المكدوس بالفريزا إلى وقت الحاجة، وبعد ذلك يضاف الزيت عليها، لافتاً إلى أن نسبة الإقبال على شراء الباذنجان للمكدوس انخفضت 30% مقارنة مع الموسم الماضي.
بالمقابل رأى نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها الدكتور جمال السطل في تصريحه لـ(النور) أن مونة المكدوس باتت للأغنياء فقط، لأن تكاليفها أصبحت باهظة كثيراً على الأسر السورية، مضيفاً: نحن نرى أنه في ظل انخفاض القوة الشرائية للمستهلك وتآكل دخله، فلا مجال لقيامه بتموين المكدوس، ويقتصر هذا الأمر على العائلات الميسورة إن وجدت، أو تلك التي تردها معونات مالية من أقاربها في الخارج. إذاً العادات الاستهلاكية السابقة التي كان المستهلكون يتقيدون باحترامها من تموين للمكدوس أو لغيره من المونة قد تلاشت وانعدمت بانعدام الدخل.
85 ليرة للمكدوسة
ونبه إلى أن أسعار الباذنجان البلدي أو الحمصي تتراوح بين 100 و 125 ل س للكيلو، في حين يتوقع ارتفاع السعر لزيادة الطلب إلى 200 ل. س، وكيلو الباذنجان حسب حجم الباذنجانة الوسطي هو 14 باذنجانة، وبحساب تكلفة مكونات المكدوس يتبين مايلي : 10 كغ باذنجان ×200 = 2000 ل س، 1 كغ جوز ×4000 = 4000 ل س، 1كغ فليفلة حمرة مفرومة يبلغ 1000 ليرة، ونصف كيلو ثوم يصل سعره إلى 700 ليرة، مع غاز 400 ليرة وزيت زيتون الكيلو بـ1500 ليرة وهو يحتاج إلى 2 كيلو مجموع ثمنهما 3 آلاف ليرة، لنصل إلى أن المجموع هو 11100÷10÷14 =78.5 ل س، أي تكلفة المكدوسة الواحدة يتراوح بين 80 ل س و85 ل.س حسب كلفة المكونات المستخدمة، ويمكن عدم احتساب تكلفة الزيت إذ إن بعض العائلات تفضل وضع المكدوس جافا في الفريزة وعند استخدامه يصب عليه الزيت.
(النور) حاولت الوقوف على التّكلفة الواقعية لمونة المكدوس على الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد، والتي تحتاج إلى ما لا يقل عن 50 كيلو مكدوس في العام الواحد وسطياً، وبالطبع هذا الرقم يعتبر متوسطاً مقارنة مع الأعوام السابقة، إذ كانت تصل مونة الأسرة إلى نحو 70 كيلو مكدوس، إلا أنّ ارتفاع تكلفة المونة جعلت الأسرة تقلّص كمية المونة.
مونة المكدوس بالأرقام
يصل سعر كيلو الباذنجان بشكل وسطي حالياً وضمن أسواق دمشق وريفها لنحو 125 ليرة، وهو يختلف من حيث النوعية ومكان الزراعة، فهناك الباذنجان الحمصي ويتراوح سعره ما بين 100و 125 ليرة، ولكن لنقل وسطياً إن سعر كيلو الباذنجان هو 125 ليرة على اختلاف نوعه مع ترشحه للارتفاع في الأيام القليلة القادمة لزيادة الطلب عليه وقلة الإنتاج الزراعي وفق الكثير من البائعين، الذين أشاروا لـ(النور) إلى أن بداية الموسم تكون أسعار الباذنجان أرخص من وقت زيادة الطلب عليه، وبالطبع الأسرة تحتاج إلى 6250 ليرة ثمن 50 كيلو باذنجان فقط، وهي تحتاج إلى 10 كيلو من الفليفلة ويصل سعر الكيلو الواحد لنحو 180 ليرة ليبلغ ثمنها نحو 1800 ليرة ليصبح المجموع الكلي لمادة الباذنجان والفليلفة 6800 ليرة.
هنا نقطة البداية، أما ما بعد الباذنجان فالخطب أعظم، إذ يحتاج هذا الباذنجان إلى (الحشوة) والمكونة من الجزر والجوز والفليفلة الحمراء، وبالطبع كل شيء هيّن إلا سعر الجوز، إذ يصل سعر الجوز الأوكراني إلى نحو 3500 ليرة للكيلو، والبلدي إلى 4500 ليرة، ويحتاج كل 20 كيلو مكدوس إلى كيلو ونصف الكيلو من الجوز (مع التقشف في الحشوة)، بمعنى أن 60 كيلو من المكدوس تحتاج إلى نحو 4 كيلو من الجوز، وبالطبع المستهلك لن يشتري البلدي بل سيتوجه إلى الأرخص وهو الأوكراني ويصل سعر 4 كيلو جوز أوكراني إلى 14000 ليرة، ليصبح مجموع سعر الباذنجان والفليفلة والجوز 20800 ليرة.
وبعد الجوز يأتي المصاب الأكبر ألا وهو الزيت.. فكل 20 كيلو باذنجان تحتاج إلى 4 كيلو زيت وسطياً، وهنا تختلف الأسر في وضع الزيت فهناك بعض الأسر تضع الزيت البلدي (زيت الزيتون) وهناك من يقوم بوضع الزيت الأبيض فقط وهناك من يقوم بخلط الاثنين معاً، وبالطبع يختلف ذلك لا وفق الأذواق ولكن وفق القدرة المالية للأسرة، فزيت الزيتون يعتبر الأغلى والزيت الأبيض هو الأرخص من حيث التكلفة، ولكن معظم الأسر تقوم بخلط النوعين معاً أثناء مونة المكدوس، ولا يخفى على أحد أنّ سعر (صفيحة) الزيت بوزن 16 كيلو يصل إلى نحو 25 ألف ليرة، وتحتاج إلى نحو نصف تنكة زيت زيتون ونصف تنكة آخر من الزيت الأبيض ليصبح المجموع وسطياً نحو 12500 ليرة زيت خاص للمكدوس، وليصبح المجموع الكلي لتكلفة مونة المكدوس نحو 33.300 ليرة، وبالطبع لا ننسى الجزر الذي يباع حالياً بـ175 ليرة للكيلو وهي تحتاج إلى نحو 4 كيلو من الجزر أي 700 ليرة، كما تحتاج إلى 4 كيلو ثوم وسعر الكيلو نحو 700 ليرة، أي 2800 ليرة، بمعنى أن التكلفة الكلية تصل إلى أكثر من 38050 ليرة لمونة المكدوس فقط بنوعيه الباذنجان والفليفلة، مع الإشارة إلى أن هذه التكلفة تعتبر وسطية وتقديرية.
ووفقاً للرقم السابق تصل تكلفة الكيلو الواحد إلى نحو 634 ليرة، ولنقل وسطياً إن الكيلو الواحد فيه نحو 10 حبات باذنجان وفليفلة، تصبح تكلفة المكدوسة الواحدة نحو 63 ليرة وسطياً.
المكدوسة الجاهزة تكلف نحو 90 ليرة
وأكدّ أحد العاملين في معمل كونسروة للمونة الجاهزة، أن تكلفة المكدوسة الواحدة والتي تم حسابها من قبل الشركة الخاصة التي كان يعمل بها سابقاً تصل إلى نحو 23 ليرة، وذلك قبل الأزمة التي تمر على سورية، مشيراً إلى أن تكلفة المكدوسة الجاهزة حالياً للأكل تصل إلى أربعة أضعاف الرقم السابق، وذلك وفقاً لمختلف الأسعار التي تضاعفت وسطياً إلى ثلاثة أضعاف نتيجة تضاعف سعر الصرف، أي أن تكلفة المكدوسة حالياً تصل وسطياً إلى نحو 92 ليرة، لافتاً إلى أن هذا السعر يعتبر مبدئياً وقد يرتفع أكثر في حال زيادة الطلب أو نقص العرض في الأسواق الخاصة بالمونة.
ما نود الإشارة إليه إلى أن مونة المكدوس التي تصل تكلفتها كما ذكرنا إلى نحو 20 ألف ليرة وبشكل وسطي مع التقشف، كانت تكلف الأسرة قبل الأزمة التي تمر على سورية نحو 5 آلاف ليرة أو يزيد قليلاً، وبالطبع المونة على اختلاف أشكالها أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الأسر، وخاصة مع اتساع الفجوة بين الدخل والأسعار مما دفع العديد من الأسر إلى الابتعاد عن فكرة المونة هذا العام الذي شهد جموداً في الطلب على مواد المونة مثل البازلاء والفول والبندورة وغيرها من المواد الغذائية الأخرى، الأمر الذي غيّر في العادات الاستهلاكية لدى الأسر وجعلها تتبع برنامجاً تقشفياً بحتاً للمحافظة على دخلها أمام عملقة الأسعار.