كي لا ننسى…حلمي الفيتياني…أحد رواد الفكر الاشتراكي في بلاد الشام
بعد حركة الاتحاديين ضد السلطان عبد الحميد، نشط المثقفون الديمقراطيون الثوريون السوريون بأشكال مختلفة، مستفيدين من الوضع الجديد الناشئ، وأخذوا ينطلقون إلى المسرح السياسي بقوة أكبر.. وقررت جماعة منهم، بعد السماح بإصدار الصحف والمجلات ضمن شروط معينة، إصدار صحيفة تنطق باسم الاشتراكيين في سورية.. ولقد تقدم حلمي الفيتياني بطلب الحصول على ترخيص له لإصدار الصحيفة بدمشق. ولقد ورد في العدد الأول منها، الذي صدر في 17 آذار عام 1912:
(أصدرنا صحيفتنا هذه باسم الاشتراكية، كي نثبت بين طبقات الأمة مبدأ الاشتراكيين الذي سيكون غاية الشعوب كلها على وجه الأرض ).
ويقول الفيتياني:
(انظروا ميزانيات الدول، تجدوا القسم الاوفر منها يصرف في تجهيز الجيوش، وإعداد المعدات وإنشاء الأساطيل، والفقير المسكين يشتغل عامة نهاره تحت طبقات الأرض ، في تعدين المعادن وإخراج الفحم، ثم يعطي ما جنت يداه إلى الحكومة كي تشتري المدافع والبنادق.. فالاشتراكيون يقولون للبشر كلهم دون تفريق جنس ولا مذهب: (أيها الناس! كفاكم شقاء وويلات.. اضربوا هذه الأوهام والخيالات عرض الحائط)).
كانت هذه الأفكار كافية للدلالة على توجه أصحابها، ومن الطبيعي أنها أقلقت السلطات وأخافتها، وقد عطلت الجريدة بعد شهر واحد من صدورها. ويختفي الفيتياني، بيد أن رسالة تأتي إلى مؤلف صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوري الأستاذ زياد الملا، من حفيده السيد عادل الحموي تنبئه بمصير هذا الاشتراكي القديم. يقول الحفيد إن عائلة الفيتياني المعروفة في مدينتي نابلس والقدس قد اشتهرت بتولي عدد من رجالها منصب الإفتاء، ومنه أتى اسم كنيتها.
عاش حلمي الفيتياني فترة شبابه في دمشق في مطلع العشرين، وتزوج فيها جدتي لأمي من عائلة دعدوش المعروفة.
– ساهم في الحركة الفنية المبكرة في سورية، مع أبي خليل القباني، ورافقه في رحلته إلى مصر.
– تأثر بأفكار كتاب النهضة العربية، وباتجاهاتهم القومية والاشتراكية، وعمد إلى مقاومة سياسة التتريك التي اتبعها الاتحاديون بعد حركتهم ضد السلطان عبد الحميد عام 1908.
– كما اشترك مع المثقفين الديمقراطيين في نشر الأفكار الاشتراكية والثورية، فقد حصل على ترخيص بإصدار صحيفة (الاشتراكية) في دمشق عام ،1912 لكن السلطات عطلتها بعد شهر من صدورها، لعدم تحمّلها تأثيرها وخطر ما تنشره.
– وعلى أثر ذلك، ونتيجة لمضايقة السلطات له، اضطر لترك مدينة دمشق، وترك فيها ابنته الوحيدة لدى أهل زوجته، وعاد إلى مدينة نابلس موطن عائلته، وهذا سر اختفائه المؤقت من دمشق.
– تابع في نابلس نشر أفكاره الثورية، وكان من الطبيعي أن يؤيد الثورة العربية خلال الحرب العالمية الأولى.
– ناضل ضد اتفاقية سايكس بيكو التي قضت بتقسيم بلاد الشام بين الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي.
– كما ناضل بشكل قوي ضد وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
– ولقد عرف في نابلس باسم خطيب الشعب لعمله الدؤوب على إعداد الاجتماعات الشعبية وقيادتها مع المثقفين الثوريين والتقدميين من أقربائه من عائلتي دروزه وزعيتر.
– كما ساهم في ثورة عام 1936 في فلسطين ضد الإنكليز والصهيونية.
– زار دمشق مرات عديدة، وكانت السلطات الفرنسية تراقب تحركاته خلال وجوده في دمشق وتنقلاته فيها.
لقد بقي وفياً لأفكاره الثورية والاشتراكية حتى وفاته في نابلس بأزمة قلبية في مطلع الحرب العالمية الثانية.
*******
(نقلاً عن كتاب صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوري 1924-،1954 للأستاذ زياد الملا).