المسؤولون الحقيقيون

التفجير الدموي الرهيب الذي شهدته ولاية أورلندو الأمريكية منذ أيام، والذي جاء في أعقاب التفجيرات الوحشية في السيدة زينب قرب دمشق، وكذلك تفجير مصرف في بيروت، وكان قد سبقها كلها القصفُ الدموي الذي تعرضت له حلب ودفعت ثمنه مئات الشهداء والجرحى المدنيين، كل ذلك أضفى على الصراع الذي تشهده المنطقة طابعاً أكثر مأسوية ودموية، وكما هو معلوم، لا يتعلق الأمر بظاهرة واحدة هي كثافة التوحش الإرهابي المترافق مع (الغزوة) البربرية الداعشية على المنطقة، وعلى سورية في القلب منها، بل تعدّت حدود الظاهرة لتصبح مظهراً معمّماً لشكل الصراع الدائر الذي اتخذ ويتخذ طابعاً عالمياً متزايداً.

أما ما يثير تساؤلات عميقة فهو مدى القدرة على وقف هذا الزحف الإجرامي الذي يهدد شعوبنا وشعوب العالم.

يتطلب الأمر  عودة سريعة إلى الماضي الممتد إلى عدة عقود زمنية، يوم استخدمت الولايات المتحدة العصابات التكفيرية الإرهابية في حربها ضد السوفييت في أفغانستان وأسمتهم (رجال الحرية)، وانطلقوا بعد ذلك لتشكيل تنظيمات مسلحة، كالقاعدة التي فرّخت تنظيمات عديدة أخرى أشهرها النصرة وداعش وعشرات التنظيمات المشابهة الأخرى.

والسؤال الذي يُطرح: هل كان من الممكن الحيلولة دون بروز هذه الظاهرة؟

بالتأكيد كان ذلك ممكناً لو أن الولايات المتحدة الأمريكية صممت منذ البداية على عدم استخدام اللعب على وتر الانقسامات الطائفية والمذهبية في المنطقة، ولو أدركت المخاطر البعيدة المدى الكامنة وراء هذا الأسلوب اللا أخلاقي في التعامل السياسي مع خصومها. لقد كتب وتحدث كثيرون ونبهوا إلى مخاطر اللعب بورقة الظلاميين الذين يتحولون بسرعة البرق إلى وحوش كاسرة، وحذرّوا المرة تلو الأخرى من مخاطر انتقالها إلى العالم، لكن شهوة الهيمنة على العالم غلبت على الدول الإمبريالية وخاصة أمريكا، ومنعتهم من الإدراك المسبق للفواجع التي سيخلفها التمادي المستمر في استعمال هذه الأدوات اللا إنسانية.. إن المثال السوري هو خير مثال على هذا التمادي.

لقد اقتحمت جحافل الإرهابيين سورية بأعداد تفوق الـ200 ألف مقاتل مرتزق أُتي بهم من مختلف أصقاع المعمورة، ولم يتركوا وسيلة وحشية إلا واتبعوها ضد الدولة السورية (وكذلك في العراق).. وضد السوريين أصحاب الأرض.. واحتلوا المدن والقرى وهدموا معالم هامة من حضارتنا الضاربة في أعماق التاريخ، وقطعوا الشجر وذبحوا البشر ذبح النعاج ودحرجوا الرؤوس وأكلوا الأكباد وهاجموا ودمروا المستشفيات والمدارس، وشوهوا الطفولة وتاجروا بالنساء الخ.. من الحكايات المروية وغير المروية.

واليوم يحق التساؤل: من هو المسؤول عن استمرار هذا المسلخ البشري الذي تعيشه شعوب العالم وخاصة شعبنا السوري والعراقي؟ أليست هي قوات الغزو التركي والسعودي والقطري التي تباركها وتدعمها وتحميها الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل كان باستطاعة هذا الحلف الإرهابي أن يستمر لولا الرعاية الأمريكية؟

رغم كل التظاهر بمحاربة الإرهاب والقرارات والتفاهمات الدولية التي انخرطت أمريكا بها للحد من الإرهاب، فإنها لم تتخذ أي موقف حاسم يستجيب للطموح الإنساني إلى إيقاف مذبحة الإرهاب التي تؤرق العالم وعلى الأخص شعبنا. ليت جميع المواطنين الأمريكيين الذين يغمر الحزن قلوبهم وهم ينظرون إلى ضحاياهم في (أورلندو) يدركون من المسؤول عن إشاعة الموت والدمار في أرجاء العالم.

وليتهم أيضاً يعرفون أن حكومتهم التي تسببت بقتل عشرات الألوف من مواطنينا السوريين رجالاً ونساء وأطفالاً هي التي تسببت أيضاً، بقتل وجرح العشرات من مواطني أورلندو، نتيجة تشجيعها للإرهاب في العالم كله.

 

العدد 1136 - 18/12/2024