أين المصداقية؟
كثر كلام الحكومة وضجيجها حول التدابير التي اتخذتها أو سوف تتخذها بحلول شهر رمضان الكريم من أجل التخفيف من معاناة المواطنين السوريين، وجعل هذا الشهر الفضيل شهر رحمة وبركة على الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب الذين يتحملون أعباء كبيرة من غلاء الأسعار ومن تسلّط كبار المحتكرين وسارقي تعب الكادحين وعرقهم، والتخلّص من جشعهم وتحكّمهم بالسوق تحكماً كاملاً، في ظل غياب الدولة شـــــبه الكامل وعدم شعور المواطن بوجودها، الأمر الذي انعكس بصورة كارثية على مستوى حياة معظم الشرائح الاجتماعية محدودة الدخل.
لم يكن هذا الضجيج مقتصراً على الحكومة وتصريحاتها فقط، وإنما شمل أيضاً وسائل الإعلام السورية التي سارعت للاشتراك بصورة واسعة في هذه الجوقة، وأخذت تجري اللقاءات مع هذا المسؤول أو ذاك للإطناب بهذه التدابير، وإظهار حرص الحكومة على القيام بكل ما يلزم من أجل تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة.
وقد أمل المواطن الذي يكدح يومه كي يؤمّن لقمة العيش له ولعائلته أن تكون الحكومة صادقة في كلامها ووعودها هذه المرة على الأقل، رغم كل ما يخامره من شك حول ذلك نتيجة تجاربه السابقة، إلا أن خيبته كانت مريرة جداً. فمع حلول هذا الشهر الفضيل فوجئ المواطن بواقع آخر لا يمت بصلة إلى كل ما بثه الإعلام وتحدثت عنه الحكومة وصحافتها.. لقد فوجئ بارتفاع جنوني لأسعار المواد الأساسية بلغ في بعض السلع 50% وفي سلع أخرى 100%، إضافة إلى ذلك اختفى جزء ليس باليسير من المواد التي تحدثت الحكومة عن تخفيض في أسعارها، وعندما تسأل التاجر عن ذلك يجيبك: اذهب إلى التلفزيون واشترِ من هناك!
لقد أصبح واضحاً لجزء واسع من الشعب أن الحكومة لا تبذل جهوداً حقيقية وجدية من أجل تخفيف معاناته، وأنها لا تشعر بها، ولا به.. يقول المواطن البسيط: من السهل على الحكومة إصدار البيانات، وكذلك الكلام، عن جهودها الهادفة لخدمة المواطن، بيد أن تخفيف معاناة الشعب ومساعدته على الصمود في وجه هذه المحنة التي تعيشها البلاد وفي وجه هذه القوى الظلامية التكفيرية والتخريبية لكل ما بناه، لا يقتضي الكلام والضجة الإعلامية فقط، وإنما يقتضي أن تكون جميع جهود الحكومة مجتمعة بوزرائها ومساعديهم مستنفرة من أجل تلبية متطلبات الشعب الذي ضحى بالكثير، وقدم أبناءه من أجل الدفاع عن الوطن وكرامته وعزته واستقلاله.
لم يعد مقبولاً أبداً التعامل مع الشعب بلا مبالاة وباستخفاف.. لقد فقدت الحكومات السابقة مصداقيتها تماماً، ولم يعد المواطن ينظر إلى ما يصدر عنها إلا بسخرية. تتحدث وسائل الإعلام والحكومة عن انخفاض سعر صرف الدولار تجاه الليرة السورية بفضل السياسة المالية الحكيمة للحكومة ومصرف سورية المركزي.. وقد تحقق هذا الانخفاض بالفعل في الآونة الأخيرة، إلا أن ذلك لم يرافقه انخفاض في أسعار السوق، بل على العكس من ذلك.. إن السبب الرئيسي لهذا الانخفاض لم يأت نتيجة لنهج اقتصادي مالي واضح يهدف إلى تثبيت سعر صرف الليرة بالنسبة إلى الدولار، بمقدار ما هو آني وتكتيكي، لا يمتلك مقومات الصمود، ولم يخلق الثقة الضرورية بالليرة السورية.
إن الشعب السوري يستحق أن تكون لديه حكومة تعمل بكل طاقاتها من أجل السهر على مصالحه والتخفيف من معاناته وآلامه، حكومة تنطبق لديها الأقوال بالأفعال، حكومة حريصة على مدخرات الوطن وحريصة على رسم سياسة اقتصادية اجتماعية تخدم متطلبات الشعب وتعبر عنها في هذه المعركة الطاحنة التي يخوضها ضد القوى الظلامية التخريبية ومن يقف وراءها، وضد قوى الفساد التي لا تقل خطراً عن سابقتها.
إن الشعب السوري يأمل بأن تكون الحكومة المقبلة على مستوى المهمات الملقاة على عاتقها، وأن تكون قادرة على استعادة ثقة الشعب، الذي هو عماد الوطن وعماد صموده وانتصاره.