شباب هرمت أحلامهم
وعد حسون نصر:
شباب هرمت أحلامهم وتآكلت طموحاتهم، ضاعت آمالهم وأمانيهم، غزا الشيب شعرهم وهم يافعون، برزت أعصاب السواعد رغم أنها فتيّة، حفرت التجاعيد طريق سنواتها حول العينين مع العلم أنهم في مقتبل العمر، وكأنها تُخبر عن حكاية نظرات حائرة تبحث عن مستقبل تائه. أفكار كثيرة، خوف من حاضر مُشتّت ومستقبل مجهول، حيرة ما بين مقاعد الدراسة وسوق العمل، والخيار هنا صعب ومؤلم خاصةً إذا كانت لديهم رغبة في التعليم لكن الظرف فرض عليهم التوجه إلى سوق العمل! مُقلٌ شاردة في حقائب السفر تريد أن تجد مساحة أكبر خلف حدود الوطن بعد أن اكتسحت حياتهم الشكوك والغموض وضاع الأمان في شوارع الوطن! لم تعد العيون تتراقص فرحاً، غدا اليافع والشاب أشبه بكهل يعاني أمراض الشيخوخة من ثقل الهموم ومن حمل متاع الدنيا فوق ظهره، إضافة إلى صعوبة العمل أو حتى الحصول عليه والفترات طويلة التي يقضيها فيه، مع أجور قليلة لا تُعادل العناء المبذول ولا تشتري حبّة مُسكّن لظهر مكسور من القهر والتعب. الكثير منهم يدرس في النهار ويعمل في الليل كي لا يخسر مستقبله وكي يؤمّن حاجته للمال، والعمل هنا سيجعله يخسر جسده فتظهر عليه معالم الكبر مع العلم أنه برعمٌ فتي مازال يُزهر، لكن فأس الفقر اقتلع عنه الزهر كلما قارب أن يُثمر! فكم من معيلٍ لأسرة يختفي بين الأزقة خشية أن تسوقه الأقدار للخدمة العسكرية، فهو مطلوب ليلبي نداء الوطن لكنه معيل وحيد إذا غاب عن أسرته تشرّدت وحُرِمَت من المورد والطعام والمصروف، فتضيق أمامه وأمام الآخرين فسحة أمل بغد أفضل، ربما يلوح بالفرج ويعود كما كان هذا الشاب الفتي صاحب القرارات والخيارات، لا قيود تُقيّد معصميه من الفقر، ولا وطن ينتظر روحه على الحدود ليكون فداءً له من أعداءه. وكم من منزل فيه شباب شاخ بغيابهم وبات مثل قصر مهجور بانت على جدرانه سنوات من القهر، وبعد أن كانت الضحكات تجول بين غرفه من الفرح غدت دموع الأهل تُغرق جدرانه وتمسح معالم الصور والذكريات على فراق أبناء شرّدتهم الظروف، فباتوا لاجئين في أصقاع العالم تفصلهم عن الأهل مسافات وتجمعهم شاشة جوال صغيرة لا تفي بالغرض لترى الأم تفاصيلهم، نحولهم أو سمنتهم، ضحكتهم أو دمعتهم، هي ضحكة فرح أم مجرّد حالة لبعض الوقت حتى نخفي عن الأهل ما في داخلنا من حزن وألم، أبناء أشعلهم الحنين وأبكاهم الفراق، ومع ذلك ابتسموا على شاشة الجوال كي يشعر الأهل أنهم سعداء رغم حرقة الفراق! كم من شاب عاد للوطن مُحمّل بتابوت بعد غربة سنوات لم يستطع الأهل تقبيل جبينه ووداعه ورؤية ملامحه، نزل تحت الثرى بصندوق من خشب. سوري مهزوم حلم بوطن يعود إليه ويصنع فيه معجزات لكنه عاد بصندوق خشب لتصبح أحلامه عظاماً تحت التراب! وكم من شاب خرج مُحمّلاً بأمنيات ليرسم الضحكة على فمه وفم الأهل والإخوة والأخوات فيصبح طعاماً للأسماك، تقاذفت أحلامه الأمواج وأغرقته في البحر فغرقت معه الأمنيات. كم من شاب أضحت أعضاؤه قطع غيار للأغنياء، وكم منهم بدل أن يهاجر هو هاجرت قطعة من جسده بصندوق ثلج، مات وحلّق قلبه نابضاً بقلب شاب يبدو أنه يستحق الحياة أكثر!!!
هذا واقع الشباب السوري خلال أزمة البلاد، أحلام مُغمّسة بالقهر وأمنيات ضائعة نصفها بأرض الوطن تبحث عن فرصة نجاة شاحبة مُدمّرة، ونصفها الآخر أكثر حيوية تجول خارج الحدود علّها تخرج من طوق البلد وتتمتّع من جديد بفرصة نجاة والقليل من الحياة، شباب سوري شاخ وَشَابَ قبل أن يُكمل العشرين، عشرون من السنوات ضاعت معها فرصه المنشودة مثلما ضاعت معها قشّة النجاة.