نقص العمالة السورية المحترفة وأزمة إدارة الموارد البشرية

د. عبادة دعدوش:

يُعاني بلدنا الحبيب سورية من أزمة في إدارة الموارد البشرية، تتجلى في فجوة كبيرة بين احتياجات سوق العمل ومهارات القوى العاملة المتاحة. فمن ناحية، يعاني أصحاب العمل من نقص في العمالة الماهرة والمتمرّسة والملتزمة بالعمل، بينما يعاني الباحثون عن عمل من ارتفاع معدلات البطالة وقلّة الفرص المتاحة وعدم وجود عمل بأجور جيدة. ويعود هذا التناقض إلى عدة عوامل متشابكة منها:

-الوضع المعيشي الصعب جداً الذي يعيشه العامل، والحرب النفسية والفكرية التي يخوضها أغلب الأحيان بين السفر والهجرة، أو البحث عن خيارات عمل أفضل للحصول على مصادر دخل إضافية أو متعددة في ظروف أعمال وأجور متدنية لا تكفي قوت يومه في ظلِّ الغلاء الفاحش والمتطلبات الحياتية المتعددة.

– تدني مستوى الأجور ومتوسط الرواتب انعكاساً للحرب الاقتصادية التي تتعرض لها سورية، ممّا ساهم في انخفاض قيمة الأجور بشكل كبير على العامل، ونسبة الربح على صاحب العمل بما يدفع بأصحاب العمل للبحث عن اليد العاملة الرخيصة لتعويض الارباح والاستغناء عن اليد العاملة الخبيرة.

-ومن أهم العوامل أيضاً: هجرة العقول. إذ إن العديد من المهنيين السوريين المهرة والخبراء قد خرجوا من البلاد بحثاً عن فرص أفضل في الخارج، ممّا أدى إلى استنزاف البلاد من رأس المال البشري. وإلى تفاقم نقص العمالة الماهرة في سورية.

-مشكلة الاستمرارية التي تُعدُّ من أبرز مشاكل أصحاب العمل مع العمال، فالعديد من الموظفين الجدد اليوم الخبراء منهم أو المبتدئون عليهم واجب الخدمة العسكرية مثلاً، فمنهم من لم يستمرّ في العمل إما بسبب التحاقه للخدمة أو سفره خارج القطر.

-تراجع مستوى التعليم والتدريب المهني في سورية بسبب الأزمة التي تعرضت لها والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالنظام التعليمي، ممّا أدى إلى انخفاض جودة التعليم وتسرّب الطلاب من المدارس. ونتيجة لذلك، يفتقر العديد من السوريين إلى المهارات والخبرات اللازمة لسوق العمل الحديث.

لاشكّ أن نقص العمالة الماهرة له تأثير كبير على اقتصاد سورية. فالعديد من الشركات تعاني من انخفاض الإنتاجية وانخفاض جودة المنتجات والخدمات. كما يؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف العمالة، إذ يضطر أصحاب العمل إلى دفع أجور أعلى لجذب الموظفين المهرة.

لقد أدى تفاقم أزمة إدارة الموارد البشرية في سورية إلى ارتفاع معدلات البطالة. ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها الحرب والأزمة التي تعرضت لها البلاد والتي عملت على تدمير البنية التحتية، وانخفاض الاستثمارات.

ويواجه الباحثون عن عمل في سورية العديد من التحديات. فغالباً ما تتوافر الوظائف الشاغرة فقط للأشخاص ذوي المهارات والخبرات العالية، ممّا يترك العديد من العمال غير المهرة عاطلين عن العمل. إضافة إلى ذلك، وجود حالة التمييز في التعيين والقبول للعديد من الوظائف بناء على الواسطة أو المحسوبية وعدم إعطاء الأولوية لأصحاب المواهب والخبرات الحقيقية.

في الحقيقة إن للبطالة تأثيراً مدمّراً على الأفراد والمجتمع ككل. فهي تؤدي إلى الفقر وانعدام الأمن وعدم الاستقرار الاجتماعي. كما تؤدي إلى إهدار رأس المال البشري لبلدنا الحبيب سورية، ممّا يحدُّ من إمكانات نمو البلاد على المدى الطويل.

ولكن، هناك عدة حلول لأزمة إدارة الموارد البشرية في سورية، فمن الضروري معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة. وهذا يتطلّب استثماراً في التعليم والتدريب المهني، ومعالجة هجرة العقول. كما يتطلّب أيضاً معالجة أسباب البطالة، مثل انخفاض الأجور والوضع المعيشي وانخفاض الاستثمارات.

إن معالجة أزمة إدارة الموارد البشرية في سورية أمر بالغ الأهمية لتعافي البلاد على المدى الطويل. من خلال معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، يمكن لسورية بناء قوة عاملة ماهرة قادرة على المساهمة في اقتصاد البلاد وتحسين مستوى معيشة شعبها.

العدد 1132 - 13/11/2024