مستقبلهم معلق بزائد علامة
وعد حسون نصر:
طلاب الشهادات في المرحلتين التعليم الأساسي والثانوية، يتطلعون إلى المستقبل بلهفة غريق وسط المحيط يبحث عن قشة نجاة. مُقلهم ترنو بنظرة الحائر على الشاشة الزرقاء لاختلاس سؤال توقع لمدرس مادة مخضرم مثل تائه في صحراء يبحث عن رشفة ماء وإشارة تدله على طريق الخلاص وسط كثبان لا متناهية!
أولئك الطلاب لا شكّ تلفّهم الحيرة والتيه حول مستقبل مجهول وسط قرارات آنية لوزارة تجعل منهم حقل تجارب غير مبالية بمشاعرهم ومعارفهم المتلاطمة بين هذا الكم الهائل من المعلومات، يتخبطون كمن يسبح وسط أمواج عاتية، فقد باتت المادة الامتحانية وكأنها شبح مرعب لا يعرفون ما يخفي خلفه! ردود فعل غير متوقعة داخل القاعات، رعبٌ ووجوه مُكفهرّة، قلق على فقدان علامة قد تُحدّد المصير ما بين طبيب أو مهندس أو صحفي، أو ربما دراسة مادة بإحدى مجالات الاختصاص كاللغة العربية أو التاريخ أو الفلسفة وغيرها، أو أقلِّ الاحتمالات الدراسة في معهد تخصّصي لمدة سنتين، لعلَّ الطالب يحظى بالدرجة الأولى ويكافأ بإكمال دراسته في الكلية المناسبة لاختصاصه في الجامعة.
رهاب الشهادة المرافق لأبنائنا من عام إلى عام يزداد، وحيرة الأهل وقلقهم على مستقبل الأبناء لا يوصف، عدا المصاريف الإضافية بين معاهد ومُكثّفات وجلسات امتحانية.. والسبب أزمة ضمير خلقتها ظروف كانت الحاجة المادية أهم مبرر لتفاقمها. كذلك النقص في الكوادر التدريسية وغياب الضمير التربوي عند بعض المدرسين للأسف، وعدم احترام كلمة التربية قبل التعليم التي جعلت جيلاً كاملاً يضيع ويتوه في تحديد مصيره بعد أن تحوّلت الشهادة إلى كابوس في أذهان الطلاب وتفكيرهم، إضافة إلى عدم اختيار الكوادر الصح في مراكز الإدارة وعدم وضع أصحاب القرارات والكفاءات الصحيحة في المكان المناسب، ممّا أوصلنا إلى هذه الحالة من الفوضى وسط الجسد التربوي المُشبع بالفساد المتغلغل والذي بات أشبه بمرض خبيث يفتك بكل خلايا هذا الجسم جاعلاً من طلابنا حقل تجارب بين أيدي ثلّة من أشخاص باعوا ضميرهم بذريعة (الغاية تُبرّر الوسيلة).
عاماً بعد عام يزداد الجهل وتزداد البقعة السوداء في الطريق أمام مستقبل أبنائنا، مراكز امتحانية تُباع وتُشترى من أجل أن نقول إن فلان ابن فلان حصل على المجموع التام وأصبح طبيباً ولا يهم كيف أصبح طبيباً، المهم أنه حصل على العلامة التامة وتفاخر والداه به أمام معارفهم! بينما طالب آخر يدرس وقد يعمل خلال دراسته لأنه معيل لأسرته، يضيع مجهوده واجتهاده ويخسر مستقبله الذي يحلم به أمام من يمتلك النفود والنقود! في كل عام ومع ازدياد عدد الأطباء تزداد الأخطاء الطبية، ويزداد عدد الوفيات بسبب خطأ طبي، فكم من مهندس جلس بمقعد في الجامعة ليس من حقه، وكم من محامٍ فاشل نجح بسبب قلّة الضمير وهو باع الضمير وصار القاتل عنده مظلوماً والمقتول ظالماً وكفّتا ميزان العدالة لا تتعادلان!
لم تأتِ كلمة التربية قبل التعليم في التسمية الوزارية عن عبث، لأن التربية تبني أجيالاً وتُنشئ أعلاماً وتخلق فكراً مُتجدّداً. للأسف الآن غابت التربية وغاب الضمير، والمبرر الأزلي هو الأزمة وما خلّفته من العوز والفقر حتى بات الجميع تقريباً يغرس مخالبه بأجساد الجميع، فبعض المدرسين غرزوا أنيابهم في جسد الطالب، فتارة جلسة امتحان، وأخرى جلسة توقعات، وغيرها مُكثّفة وغير ذلك، وكله ليجعلوا من هذا الطالب مورداً مادياً في الموسم الدراسي بغض النظر عن ظروف الأهل وآمال الطالب بمستقبل يليق بطموحه، المهم أن يكسب! لذلك غدت الشهادة رُهاباً مرعباً أمام طلابنا، وخاب أمل الاهل بطبيب العائلة ومهندسها ومحاميها وصحفيّها الذي سينقذهم من الفقر وينتشلهم من الحضيض!!!
أنصِفوا طلابنا، فهم أملنا وهم النور في ظلمتنا! لا تبيعوا ضميركم على حساب طالب فقير. فالقاع ازدحم بالمظلومين والفقراء.