امرأة من بلدي | منتهى المازوني (١٩٣٥-٢٠١٩)

خالد ديوب:

ابنة مدينة حماه من مواليد عام ١٩٣٥، التحقت بالمدرسة الابتدائية بعمر ١٢ سنة وكان أول صف قُبِلت فيه هو الصف الخامس، بعد أن خضعت لاختبار مدرسي.

كان أخوها محمد الذي يصغرها يعلّمها القراءة والكتابة والحساب في البيت.

إبان حرب الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي كلّفها أخوها بإحصاء عدد القنابل التي تلقيها الطائرات الفرنسية على مدينة حماه، بأن تضع إشارة على كرتونة من الورق المقوى بقلم رصاص بعد سماع صوت كل انفجار للقنابل وهي مازالت طفلة صغيرة.

ونظراً لتفوقها الدراسي، قطعت مراحل التعليم في ست سنوات وتخرجت بتفوق من دار المعلمات في مدينة حلب، فعملت في مهنة التعليم في كل من مدارس عامودا في الحسكة وتل درة ومدينة السلمية، وكانت تنقل منشورات ومطبوعات الحزب مخفيةً تحت ثيابها وتسلّمها إلى أحد الرفاق في سلمية ثم تذهب للمدرسة.

بعد عدّة سنوات عادت منتهى إلى مدينة حماه بعد نيلها شهادة (إجازة) في علم النفس والفلسفة والتربية الاجتماعية لتدرس الطالبات في المرحلة الثانوية. وعند افتتاح دار المعلمات في مدينة حماه كانت أول من انتقلت إليها واستمرّت تعلّم فيها حتى سن التقاعد.

تقول منتهى إن أختها الكبرى تزوجت من رجل متوسط الحال لا همّ له سوى السياسة والنضال لتغيير العالم نحو العدالة والاشتراكية هو الرفيق محمد الحبال.

كانت منتهى المازوني هي الفتاة الثانية في مدينة حماه التي نزعت المنديل الأسود عن وجهها في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، في تحدٍّ صريح لقيم المجتمع المتزمّت، وبإصرار وتشجيع من أخويها الشيوعيين عدنان ومحمد المازوني، واقتدت بها المئات من نساء المدينة، وقادت أول تظاهرة نسائية بإشراف الشيوعيين في سينما الأمير تحت شعار التنديد بالحرب والدعوة إلى السلم العالمي حضرها أكثر من ١٥٠ امرأة. وأثناء موجة الاعتقالات في سورية في فترة الوحدة اعتُقل أخواها عدنان ومحمد، وهرب زوج أختها محمد الحبال. وكان عليها أن تذهب كل يوم أحد إلى سجن المزة بدمشق حاملةً معها المطبوعات الحزبية مخبّئة إيّاها بين طيات الثياب لتسلّمها لأخويها في السجن وتعود إلى حماه في اليوم نفسه.

حين تشكلت رابطة النساء لحماية الأمومة والطفولة كانت منتهى المازوني من الكادر المسؤول عن قيادة التنظيم الجديد في المدينة، وكانت عضواً فاعلاً في اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري في مدينة حماه. وأثناء تشكيل الاتحاد العامّ النسائي عام ١٩٦٧ كانت من السبع الأوائل اللواتي التقى بهن رئيس الجمهورية خلال زيارته إلى مدينة حماه، وطلبت حينذاك إحداث جامعة في المدينة.

عندما زارتها اللجنة المنطقية في منزلها، بمناسبة عيد المرأة العالمي، مكرّمةً لها على سني عمرها النضالي (قُبيل وفاتها بفترة قصيرة عن عمرٍ ناهز ٨٤ عاماً) قالت: (لقد أعدتموني إلى مرحلة الشباب!).

لروحها السلام ولذكراها الخلود.

 

العدد 1107 - 22/5/2024