ندوة حوارية بالسويداء حول القضايا الوطنية والاقتصادية والإصلاح المطلوب

في ندوة حوارية بالسويداء، حول القضايا الوطنية والاقتصادية والإصلاح المطلوب، ووضع المحافظة ومطالبها، عقدت بتاريخ 17/1/2024 بحضور نحو 60 شخصاً من أطياف وفعاليات سياسية واجتماعية ونقابية وأعضاء مجلس الشعب وكوادر تعليمية، وضمن الوقت المحدد، قدّم الرفيق نوفل عدوان المداخلة التالية:

 

لا شك أننا مازلنا تحت تأثير تداعيات الأزمة التي ألمّت ببلادنا منذ عقد ونيف، والتي تعود لعوامل خارجية من حصار وعقوبات وانتهاك للسيادة، كما تعود أيضاً لعوامل داخلية تراكمت آثارها وأثقلت كاهل المواطنين، خاصة بعد اعتماد النهج الليبرالي في الاقتصاد، وتخلي الدولة عن دورها والرعائي، ورفع الدعم، وفلتان الأسعار، خاصة كلما زادت الدولة أسعار السلع والخدمات التي تتحكم بها، وزاد التضخم بنحو 200 ضعف عما كان عليه في بداية الأزمة، مقيساً بسعر القطع الأجنبي، بينما لم تزد الأجور خلال الفترة ذاتها بأكثر من 7-8 أضعاف في أحسن الحالات.. مما انعكس على الإنتاج الذي تراجع مع زيادة تكاليف مستلزماته ولم يحظ القطاع العام بالجدية المطلوبة لإصلاحه، والتمسك بدوره الأساسي وعدم التفريط به، خاصة في القطاعات والمرافق السيادية الأساسية، وربطه بعملية إعادة تأهيل الاقتصاد السوري بكل مكوناته وخاصة في القطاعات الإنتاجية، واختيار الإدارات على أسس الخبرة والكفاءة والنزاهة، وليس على أساس المحسوبيات والانتماء الحزبي والارتباطات المختلفة.

ولابد من توافق وطني على التوجهات الأساسية لإصلاح هذا القطاع، وإعداد الخطط الزمنية والمادية من قبل المختصين والفنيين وبمشاركة الجهات العامة والخاصة والقوى والأحزاب والجمعيات الأهلية على رؤية وطنية اقتصادية واجتماعية للمرحلة القادمة، فالتفرد في اتخاذ القرارات والطابع الانعزالي المتزمت يعبر عن مواقف ضيقة الأفق، كما أن النظرة الفوقية إلى الجماهير وتجاهل آراءهم تؤدي إلى الشعور بالاغتراب، وهذا ما يقود إلى اليأس وفقدان الأمل، وبالتالي إلى اتخاذ مواقف سلبية.

في النشرة الجوية نقرأ عن استقرار حالة الطقس أحياناً، ولكننا لم نلمس ليوم واحد أيّ استقرار بالأسعار، لقد ازدادت سوءاً أحوال غالبية شرائح الشعب الفقيرة ومحدودة الدخل، بينما ازدادت أعداد وفيري الثراء، وبرزت وجوه جديدة من رجال الأعمال لم تكن معروفة سابقاً، واستطاعت، تحت شعار التشاركية، الاستحواذ على عدد كبير من المنشآت الصناعية والسياحية والخدمية والتجارية، واحتكار توريد العديد من المنتجات الأساسية، والتعاقد على إقامة منشآت مختلفة، بدعم من مراكز نفوذ في عدد من المفاصل الحكومية، وحصولها على عقود بالتراضي أو بإجراءات شكلية خارج الأساليب القانونية.

كل ذلك وسط مخاوف وتساؤلات عن مصادر أموال هذه الشخصيات وثرائها، في حين تزداد جباية الحكومة من المواطنين، سواء برفع الأسعار لخدماتها أو بإرهاقهم بالضرائب غير المباشرة.

إنه الفساد الذي انتعش خلال الأزمة وطال كل المجالات وعلى كل المستويات، بدءاً من التهريب والرشا والأتاوات، وابتزاز المواطنين عند المعابر وعلى الحواجز وبالتفييش والترفيق، والحصول على الموافقات لتلزيم المشاريع، وأصبح أداة للحصول على المناصب والمواقف القيادة، والقائمة تطول.

لقد أقرت الحكومة قبل فترة (الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للأعوام 2019-2020) وعلى مرحلتين، مدة كل منها ثلاث سنوات، ولكنها من حيث التطبيق والنتيجة حجزت مكانها حيث يرقد قانون (من أين لك هذا) وقانون (الكسب غير المشروع)!

محافظة السويداء هي ركن أساسي في وحدة سورية أرضاً وشعباً، وستبقى وفية لإرثها الوطني الذي كرسه رجال الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع) فرفضت التجزئة والانعزال، وأفشلت مخطط الاستعمار في تقسيم سورية إلى دويلات، فلها ما للسوريين وعليها ما عليهم.

وإضافة إلى معاناة أهلها مما سبق، كسائر السوريين، فقد عانت كثيراً من فوضى انتشار السلاح، ومن تشكيل مجموعات مسلحة قامت بممارسات وتجاوزات على الأملاك العامة والخاصة، وتهديد أمن المواطنين وابتزازهم بالخطف والسطو وحتى القتل، إضافة إلى التهريب ونشر المخدرات، بدعمٍ وتواطؤ من الفاسدين في بعض الأجهزة وبحماية السلاح قاموا باجتثاث معظم الحراج المعمرة وتطاولوا على الأشجار المثمرة الخاصة.

وكانت خيبة أمل المواطنين كبيرة لما وجدوه من ترهلٍ و(حيادية) لدى الأجهزة المعنية بأمن المواطن وبمكافحة الجريمة، وضمن ذلك الضابطة العدلية، مما دفع البعض للاعتماد على الأمن الذاتي لأفراد أو جماعات، والعمل على أخذ الحق باليد كما كان سائداً في مجتمع ما قبل الدولة.

وتعاني المحافظة أيضاً من نقص في الخدمات، ونقص شديد في المياه المتاحة للشرب أولاً، وللزراعة أيضاً، كما تعاني من نقص شديد بالكوادر في معظم القطاعات، خاصة في الصحة والتعليم، بسبب الهجرة، وأصبح تعلم اللغات الأجنبية في أول اهتمامات الطلاب قبل التخرج، لتساعدهم على الانخراط في المجتمعات المقصودة بالهجرة، بسبب انسداد الأفق أمام الشباب بإيجاد حل يؤمن لهم العيش الكريم في بلدهم كنتيجة للسياسات العرجاء لحكومتنا الرشيدة.

وتفتقر المحافظة إلى مشاريع تنموية تؤمن مزيداً من فرص العمل، وتقتضي زيادة رقعة الأراضي الممكن استثمارها، زيادة الاهتمام باستصلاح الأراضي وزيادة وتيرتها، وزيادة دور الدولة في تسويق المنتجات الزراعية وخاصة التفاح، وفي المحافظة بعض الخامات الطبيعية التي من الجدوى الاستثمار فيها كالطفّ البركاني والصخر البازلتي وحجر الغرانيت. كما تزخر المحافظة بالكثير من الأوابد الأثرية التي تدل على حضارات تتالت على هذه الأرض، وهي بحاجة إلى الترميم والصيانة وإلى إدخال المحافظة ضمن برامج الترويج السياحي، وبرامج الغروبات السياحية، والتوسع بعدد الكليات الجامعية وتحويل الفرع إلى جامعة مستقلة، ويعتبر أمراً حيوياً فتح معبر حدودي مع الأردن، وكذلك ربط المحافظة بسكة حديد مع دمشق مباشرة، ويأتي في مقدمة المطالب الاهتمام بالجانب الأمني وتحمّل أجهزة الدولة المعنية مسؤولياتها، وتفكيك المجموعات المسلحة، وتأمين القرى الحدودية من القصف العشوائي من قِبل الجيش الأردني.

إن أمام سورية مهام كبيرة في مقدمتها تحرير أراضيها المحتلة، ورفض وجود مناطق (آمنة) أو (عازلة) ضمن أراضيها، ورفض تشكيل أي كيان انعزالي تحت أي مسمى، والعدول عن النهج الليبرالي في الاقتصاد والعودة إلى دور الدولة الرعائي، ودعم القطاع العام والسير بخطا جادة وحازمة على طريق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، وتطبيق مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص دون تمييز على أساس الانتماء الحزبي أو الاثني أو الطائفي أو الجنسي، وتوسيع الانفراج السياسي والافراج عن المعتقلين السياسيين، ومنع الاعتقال الكيفي والتعذيب، واعتماد مبدأ التعددية السياسية وتداول السلطة وسيادة القانون، واستقلال القضاء ونزاهته، واستقلال النقابات والمنظمات الشعبية وفك ارتباطها بحزب البعث، وضمان الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، كحرية الرأي والاعتقاد والتعبير وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وإلغاء التسريح دون ذكر الأسباب، وإعادة النظر بأوضاع المسرحين بشكل تعسفي والمعتقلين دون محاكمة والمحرومين من إجراء معاملاتهم المدنية مع الموافقات الأمنية.

إن المسألة السورية لا تحل بمحافظة واحدة، وإننا أحوج من أي وقت مضى لإجراء إصلاح اقتصادي وسياسي شامل يتفق عليه السوريون عبر مؤتمر حوار وطني جامع لكل أطياف الشعب السوري وفعاليات، لاختيار سورية التي يريدونها، دولة سيدة، حرة، موحدة أرضاً وشعباً، ديمقراطية تعددية مدنية لكل أبنائها على أساس المواطنة وسيادة القانون.

العدد 1107 - 22/5/2024