خاطرة حول الشحاذة

يونس صالح:

يعتبر القانون الأمريكي أن الدستور يضمن حرية الشحاذة للمواطن، باعتبار أن حق الشحاذ في إطلاق نداءاته يدخل في نطاق حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأمريكي.

ولكن المحكمة العليا في إحدى الولايات المتحدة ضجّت بنداءات شحاذيها، وأصدرت أخيراً حكماً يقضي بسجن (مدّادي الأيدي)..

جمعيات ومؤسسات الدفاع عن الحريات العامة أُخذت على حين غرّة بالحكم، وبدأت حواراً واسعاً حول تأثير هذا القرار على الحريات العامة.. ولقد قال واحد من هؤلاء في مقالة صحافية: إن الشحاذ في أمريكا لا تنطبق عليه صفة (مدّ اليد)، فهو يضع أمامه وعاء أو قطعة قماش وأحياناً قبعة، ثم يبدأ نداءاته، وأحياناً هو يغني هذه النداءات، وليست غلطته إذا وجد أن أناساً كثيرين يمدّون أيديهم إلى جيوبهم، ثم يلقون بالقطع المعدنية أمامه أو في قبعته.

إن الشحاذ في هذه الحالة عبّر عن نفسه ولم يقترف ذنباً يعاقب عليه القانون، وبالتالي فإن الحكم بحبسه يعتبر خرقاً للدستور!

واحد آخر من أعداء الشحادين قال إن الشحاذة مهنة، ومن شروط أية مهنة أن تتوافر فيها (الأمانة) في التعامل بين الطرفين، كما يجب أن تتوافر مواصفات معينة لمزاولتها، وكلاهما غائب عن مهنة الشحاذة، فهي مهنة يمكن أن يزاولها أي شخص، سواء كان سليماً أو معوقاً، غنياً أو فقيراً، طفلاً أو كهلاً، رجلاً أو امرأة، متعلماً أو أمياً.. وبالتالي إذا كان لابد من مزاولتها، فلابد أن تتوافر لها (شهادات) معينة من مرجعيات متخصصة، أسوة بباقي المهن.. وأضاف: عدد الشحاذين: ثم إن الشحاذ يتلقى مبالغ من المال لقاء بضاعة مأمولة يبيعها للمستهلكين، وهذه البضاعة هي الوعد بموقع في الجنة، فإذا كان الموقع حقيقياً فلابد أن يدخل في باب (العقارات)، وهذا الباب هناك قوانين تنظمه، كما أنه يخضع لقوانين الضرائب، وإذا كان وهمياً فإنه يدخل في باب الاحتيال، وهو ما يعاقب عليه القانون.

وهنا ينبري ثالث من أصدقاء الشحاذين للرد فيقول إن الشحاذة هي أقرب إلى المشورة، يعني كما يستشير المريض طبيبه ويتلقى الطبيب بدل استشارة، فإن الشحاذ بكلامه ونداءاته وبوجوده الشخصي نموذجاً أمام الناس، ويريهم عملياً حالة أي واحد منهم إذا فقد عمله ومصدر رزقه، وهو بالتالي يحفزهم على العمل وضرورة النشاط فيه.

وهكذا نرى (أن الرأي العام بأغلبيته يقف إلى جانب الشحاذة، وهي جزء من الحرية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي)، بينما الشحاذة عندنا محتقرة، ولولا العيب وبقية من كرامة لتحول قسم كبير من الشعب السوري إلى هذه المهنة التي (يحترمها) الشعب الأمريكي، بسبب السياسة اللامبالية للمسؤولين بمصائر الشعب.. (وحسنة لله يا محسنين!).

العدد 1105 - 01/5/2024