الحرب الإعلامية.. قرن ونصف في خدمة أعداء الشعوب

فادي الياس نصار:

مئةٌ وخمسون عاماً تفصل المقولة الشهيرة للحاخام اليهودي “راشورون”: “إذا كان الذهب هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم. فإن الصحافة ينبغي أن تكون قوتنا الثانية”، عن طلب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، تخصيص 30 مليون دولار أميركي للشركات المتخصصة في صنع البرمجيات، لمساعدة المعارضين في سوريا لكسر الرقابة وتشفير رسائلهم ومحو آثارهم حتى يصعب بعد ذلك على الأجهزة المختصة مراقبتهم وتعقبهم.

مئةٌ وخمسون عاماً، أيضاً تفصل مقررات المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد برئاسة ” تيودور هيرتزل ” والتي ركزت على أنه: “يجب الهيمنة على الصحافة الدورية حتى تصبح طوع بنانا، تُهيجُ عواطف الناس حين نريد، وتثير المجادلات الحزبية الأنانية التي تخدُمُ مصالحنا حين نريد، ونسيطر بواسطتها على العقل الإنساني”. عن إشادة الوزيرة كلينتون ذاتها في عام 2011 بقناة الجزيرة (لأصحابها أمراء قطر في العلن، وروبرت مردوخ في السر) بشقيها العربي والإنجليزي، ووصفتها بالمحطة “الملك” التي قادت وغيّرت أفكار الناس وتوجهاتهم ..

نعم، قرناً ونصف القرن من الزمن، عملت خلالها وسائل الإعلام ودوائر الدراسات ، على دعم قوى الإمبريالية العالمية الساعية لنهب ثروات العالم، وتدمير الطبيعة الأم (عملت الشركات الكبرى على قطع ملايين الهكتارات من الغابات حول العالم، استخدمت التكسير الهيدروليكي لإستخراج الغاز الصخري، لوّثت التُرب، الهواء، البحار والمحيطات)، دعمتها وغطت الايادي السوداء التي تؤجج الحروب وتُدَمِر الأُمم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث ينمو الكيان الصهيوني.

أظهرت وسائل الإعلام الغربية التي يسيطر عليها الصهاينة، الكيان الإسرائيلي منذ نشأته، على أنه دولة حضارية وجزء من العالم الديمقراطي، كما يصور اليوم الفصائل الإرهابية التي تقاتل في الميدان السوري، كمقاتلين من أجل الحرية والديمقراطية، بينما هم يقومون بالإغتصاب والنهب (البترول، الآثار والمحميات الطبيعية) وبتر الأعضاء والتجارة بها وخطف البشر والإتجار بهم، فتساعدهم ليكونوا جزءاً من ذات العالم الديمقراطي (الإسرائيلي).

ضللت الشعوب، متباكيةً على ما أسمته “الهولوكوست” مدعيةً أن هتلر ارتكب مجازر بحق الشعب اليهودي (في الحقيقة، سمح أدولف هتلر شخصياً لليهود بالإنخراط في الجيش الألماني ، وحصل عدد منهم على أرفع الأوسمة الحربية وهو وسام صليب الفارس) في حين لم تتحدث بكلمةٍ واحدةٍ عن مليون ونصف مليون إنسان قتلهم الإحتلال العثماني (مجازر الأرمن المريعة) وأبقت “مجازر سيفو” البشعة وغيرها من المجازر التي شّردت وهجّرت شعوب سوريا الحقيقية من (سريان، أشور، كلدان ويونانيون) مغمورةً إعلامياً بما فيه الكفاية، والكلام ينسحب على مجازر القوى الإستعمارية في دول أميركا اللاتنينة (الهنود الحمر) وأفريقيا وأسيا.

فيما لم تكتب سطراً واحداً عن التفرقة العنصرية القائمة في “هارلم-نيويورك ” ضد السود.

وكانوا قبلاً قد غطوا على جرائم التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، ومجازر الفرنسيين في راوندا ومالي، ونهب ثروات الدول الأفريقية وجزر الفوكلاند .

غطت على لص اسطنبول الذي نهب مصانع حلب عن بكرة أبيها(1300مصنع)، كما أبقت في الظل، عمليات نهب البترول السوري، وتدمير المدن المنسية ونهب أثار ثمينة القيمة التاريخية وخاصة تلك التي تلعب دوراً في إثبات وجود دولة الكيان الصهيوني، ففي عام 2015 قامت الفصائل المسلحة الإرهابية، بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية والفرنسية، بنهب محتويات الكنيس اليهودي في “جوبر” الذي يُعتبر أقدم كنيس في العالم، وسرقت يومها فيما سرقت، أقدم نسختين من التوراة، تعودان لما قبل الميلاد، منقوشتين على جلد غزال ومطرزتين بالذهب والأحجارالكريمة، وتم ترحيل المسروقات الى الولايات المتحدة الأميركية ومنها الى إسرائيل (علماً أنه في عام 1943 كان وزير المعارف “حسني البرازي” قد رفض عرضاً فرنسياً لشراء الكنيس ب500مليون ليرة ذهباً) .

وكانوا قبلاً قد غطوا على جرائم التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، ومجازر الفرنسيين في راوندا ومالي، ونهب ثروات الدول الأفريقية وجزر الفوكلاند ….وتعامت كذلك عن كل الحركات الإرهابية الناشطة حول العالم، والتي منها تخرج الأصوات الداعية الى تغييب الوعي، والإبتعاد عن كل ماهو فكري علماني، وهي تعلم أن في ذلك خدمة لها ولطفلها المدلل “إسرائيل”.

اعتبرت أن التدخل السافر لجيوش دول الإستعمار الجديد (الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا،هولندا وفرنسا) المباشر وغير المباشر، جاء لمساندة الشعب السوري، متجاهلةً إنخراط المقاتلين الأجانب ضمن صفوف المجموعات الإرهابية كافة، فلم تذكر مثلاً، أنه في عام 2014 قتل اليهودي الفرنسي” رفائيل عمّار” كما لم تذكر شيئاً عن مشاركة الإسرائيلية “جيل جيلا روزنبرغ”، في القتال إلى جانب الوحدات الكردية، ولاحتى عن مشاركة الجندي الأميريكي “جوردون ماتسون” والفرنسية “مارغو نانتيز”، وغيرهم هذه الأمثلة غيض من فيض.

في مواجهة كل هذا التشويه والظلم والعنف الإعلامي الممارس على سوريا، ونحن نبحث لوسائل إعلامنا عن طرق ووسائل تساعدها في التقدم ولو نصف خطوة في لمواجهة الماكينات الإعلامية الصهيونية، المنتشرة حول العالم، نتسأل: مالعمل؟

العدد 1105 - 01/5/2024