كامب ديفيد بحلّة جديدة وصبغة شرق آسيوية
د. نهلة الخطيب:
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد جديد من العلاقات مع كوريا الجنوبية واليابان في قمة تاريخية هي الأولى من نوعها عُقدت في كامب ديفيد، أفضت إلى الاتفاق على تنسيق الاستجابة على التهديدات الإقليمية بينهم على مستوى عال في المجالات كافة، وإجراء تدريبات عسكرية بشكل منتظم على مدى سنوات عدة وإقامة خط تواصل مباشر. وفي كلمة لجو بايدن في القمة قال فيها: (أود أن أعترف بالعمل المهم الذي قام فيه كلاكما والشجاعة السياسية التي أظهرتها كوريا الجنوبية واليابان عبر العمل على هذا التقارب، على الرغم من الماضي المؤلم الذي تمثل باستعمار اليابان لكوريا الجنوبية، لحل القضايا الصعبة التي كانت تقف في الطريق لفترة طويلة وسنضاعف من مشاركة وتبادل المعلومات بما في ذلك عمليات اطلاق الصواريخ من كوريا الشمالية والأنشطة السيبرالية وسنعزز تعاوننا في مجال الدفاع ضد الصواريخ البالستية، والأهم من ذلك أننا جميعاً ملتزمون بالتشاور بسرعة مع بعضنا البعض رداً على أي تهديدات يتعرض لها أي بلد من بلداننا من أي مصدر كان).
تحالف ثلاثي جديد أشبه بالناتو، إذ يعتبر أي اعتداء على دولة هو اعتداء على الدول الأخرى، سعي الولايات المتحدة الأمريكية الحثيث إلى متل هذا النوع من التحالفات هو تصعيد جديد يرسل إنذارات خطيرة فيما يتعلق في مواجهة كوريا الشمالية والصين، ماذا سيحدث لو انضمت تايوان الى هذا التحالف أو الهند وإندونيسيا والفلبين وماليزيا؟!
التوترات الجيوسياسية في أوجها بين القوى العظمى والزر النووي بيد كيم جون أون، بمعنى أنه بكامل جهوزيته لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يضع إدارة جو بايدن أمام تحدٍّ خطير في مواجهة الطموح النووي لكيم جونغ أون في المستقبل القريب، فهناك تخبط للسياسة الأمريكية اتجاه كوريا الشمالية بين كر وفر، في رفع العقوبات مقابل تجميد الاختبارات النووية والتخلي عنها وضربات عسكرية، وهي تعود إلى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فمنذ إدارة بيل كلينتون الذي فكر بعمل عسكري ضد بيونغ يانغ لصد خطرها، وجورج بوش الذي اعتبرها من دول محور الشر، وترامب الذي أطلق على كيم جون أون رجل الصاروخ وتحذيره بشن ضربة الأنف الدامي على المواقع النووية الكورية، وأخيراً ما جاء من البيت الأبيض وبالتزامن مع قمة كامب ديفيد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن مستعد للقاء رئيس كوريا الشمالية دون شروط مسبقة ومناقشة نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وأضاف أن بيونغ يانغ لم تستجب لهذا العرض ولكنه لا يزال مطروحاً، هو عرض غير جاد ومجرد خطاب أمريكي إذ تمت لقاءات سابقة بهذا المستوى ولم ينجم عنها شيء إطلاقاً، توتر أمريكي جديد مع كوريا الشمالية وهو تكديس للتوترات ليس غير، فاستراتيجية سياسة كوريا الشمالية تترسخ بتمسكهم بأسلحتهم النووية وأنها ليست للمساومة أبداً، وإعلانها كدولة نووية كخيار لا رجوع فيه وأنه لا جدوى من المفاوضات بشأن نزع السلاح النووي الكوري، وتعهد كيم جونغ اون بتعزيز قدراته العسكرية مما يثير ردود فعل سلبية وحفيظة اليابان وكوريا الجنوبية والولايات الأمريكية التي تبنت سياسة متناقضة ومتغيرة اتجاه كوريا الشمالية بين سياسة الصبر الاستراتيجي بفرض عقوبات اقتصادية وسياسة الضغط الأقصى بتشديد العقوبات والحصار الخانق.
إذاً، نحن إزاء توتر جديد في هذه المنطقة قد يزيد ما نحن عليه حالياً، خاصة في ظل تحشيد وتوتر أمريكي- صيني فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية وسباق التسلح والعلاقات الروسية الصينية وجزيرة تايوان، تحالف جديد تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء الصين يشبه التحالفات التي قامت بها في شرق أوربا عندما ضمت جورجيا إلى حلف الناتو مما أدى إلى حرب عام 2014 ومحاولة أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو فكانت الحرب الحالية، تحالف في الفناء الخلفي للصين، فما هو الا تكديس للتوترات وليس للتهدئة ونحن أمام نواة لحلف دفاعي أمريكي أسيوي قد تنضم له دول أخرى، وهو إعادة لهيكلة أمن منطقة آسيا وشرق آسيا وهو ليس في صالح الأمن والسلم العالمي، ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية الآن قد يؤدي الى التوتر والتصعيد مع الصين ولتي هي متوترة أصلاً، وبالتالي سيشهد النظام العالمي في ظل وجود حالة من السيولة محطة جديدة للصراع واندلاع مواجهة عالمية قد يؤدي الى حرب أو صراع مفتوح.
القمة خطوة خطيرة أثارت انزعاج الصين التي تدرك المخاطر الاستراتيجية الكامنة في استمرار هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، والتهديدات الهائلة للصين في حال نجاح التحالف الغربي الأمريكي المتمثل بحلف الناتو في كسر روسيا والانتصار عليها في هذه المعركة الدائرة حالياً في أوكرانيا، فبدأت بعد ساعات من قمة كامب ديفيد بمناورات عسكرية حول تايوان شاركت فيها ثماني سفن صينية وطائرات عسكرية، اعتبرتها الصين تحذيراً صارماً في أعقاب الزيارة القصيرة لنائب رئيسة الجزيرة الى الولايات المتحدة وتواطئها مع قوى أجنبية للاستفزاز، وتعهدت اتخاذ اجراءات حاسمة وقوية لحماية السيادة الوطنية لأن الصين تعتبر جزيرة تايوان جزءاً من أراضيها، فهي فرصة لتجعل الصين تحذو حذو روسيا في استعادتها بالقوة القهرية العسكرية وبذلك تكون الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة ضد الصين وتكون تايوان بداية لتاريخ جديد.