انقلاب النيجر.. لم يكن مفاجئاً!

د. صياح فرحان عزام:

كان من الواضح أن الدول الإفريقية، وخاصة في منطقة الساحل، قد ضاقت ذرعاً بالوجود العسكري الفرنسي والأمريكي، خصوصاً بما لدى شعوب القارة من مخزون ذكريات مريرة من سنوات الاستعمار الغربي، وما تعرضت له من استعباد وعنصرية ونهب للثروات، ومعاناة من الفقر والجوع والأمراض، وأن هذه الشعوب بدأت تعي أن مصلحتها تقتضي الخروج من هيمنة وقبضة القوى الاستعمارية، والبحث عن شراكات استراتيجية مع قوى دولية أخرى بعيداً عن منطق الهيمنة والاستتباع.

إن النيجر مثلها مثل بقية دول الساحل الإفريقي لديها مواقف وانطباعات سلبية تجاه الولايات المتحدة وفرنسا، فهي ترفض التدخل في شؤونها الداخلية، والمضي في استنزاف ثرواتها، كذلك أسهم الفشل الأمريكي والفرنسي في مواجهة المنظمات الإرهابية في تقوية هذه المنظمات وتوسيع سيطرتها، الأمر الذي أدى إلى مقتل آلاف المواطنين وتشريد الملايين، وانعدام الأمن وانتشار الفساد وفقدان التنمية.

إذاً، لم يكن مفاجئاً الانقلاب العسكري في النيجر الذي وقع يوم 26/7/2023 وأطاح بالرئيس محمد بازوم، إذ إن أحجار الدومينو الفرنسي التي بدأت تتساقط في مالي وبوركينا فاسو، كانت مؤشراً على أن النيجر على الطريق، وأن آخر معاقل فرنسا في مستعمراتها الإفريقية السابقة سوف تلحق بمن سبقها، لكن لا فرنسا ولا الولايات المتحدة التي تعد من أكبر داعمي حكومة بازوم حاولتا تفادي الكأس المرّة، رغم أنهما تدركان أن القارة السمراء باتت ساحة صراع جيواستراتيجي، هما جزء منه في مواجهة روسيا والصين، نظراً لأهمية القارة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

ورغم أن الانقلاب قوبل بموجة من الاستنكار والتنديد من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن الانقلاب ماضٍ في طريقه، ولا مجال لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وليس أمام الولايات المتحدة إلا التهديد بوقف دعمها الاقتصادي والمالي والأمني باعتبارها من أكبر الدول المانحة للنيجر، كما أن فرنسا التي تحتفظ بـ1500 جندي في النيجر وتعتمد بشكل أساسي على يورانيوم النيجر في تشغيل مفاعلاتها النووية ليس أمامها إلا الندم على خسارة آخر موقع قدم لها في القارة الإفريقية، وقد وصف الرئيس الفرنسي ماكرون الانقلاب بأنه (خطير جداً على المنطقة بأسرها) حسب زعمه.

ولم يكن غريباً أن تشهد التظاهرات المؤيدة للانقلاب في العاصمة النيجيرية نيامي رفع العلم الروسي من قبل المتظاهرين، ما يدل بوضوح على توق النيجيريين للتخلص من النير الفرنسي – الأمريكي الذي أطبق على أعناقهم طويلاً.

والجدير بالذكر أن قائد الانقلاب أوضح أن أسباب الانقلاب تدهور الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى النزوح واستمرار الإرهاب.

على كل حال، يأتي هذا الانقلاب في إطار تراجع النفوذ الفرنسي والأمريكي بشكل عام.

العدد 1105 - 01/5/2024