مجرد تهدئة.. ولا حلول جذرية!

د. صياح فرحان عزام:

مؤخراً قام وزير الخارجية الأمريكية بلينكن بزيارة الصين لمدة يومين اثنين، وقد أجمع عدد من الباحثين والسياسيين الذين تابعوا أخبار الزيارة المذكورة ومخرجاتها على أن بلينكن نجح إلى حد ما فيما يمكن تسميته (تدوير الزوايا) مع الصين، حول العديد من الملفات العالقة بين الدولتين، وتجميد الخلافات حول تايوان، وفي مجالات أخرى مثل التجارة والتكنولوجيا، لكن من دون التراجع عن الثوابت السياسية المعروفة لكلا البلدين.

وحسب المعلومات، فإن لقاء الوزير الأمريكي مع نظيره الصيني تشين جانغ ومع كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ ي، ثم مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي استغرق خمساً وثلاثين دقيقة، تركز الحوار في هذه اللقاءات حول وقف الانزلاق من قبل الطرفين نحو صراع لا يريده الطرفان، والاتفاق على قواعد وأسس لإدارة الخلافات بينهما على قاعدة التنافس وليس الصراع، وذلك من خلال تزخيم العمل الدبلوماسي، والمحافظة على خطوط اتصال مفتوحة بشأن مجموعة من القضايا الخلافية بهدف تخفيف مخاطر سوء الفهم والتقدير من جانب الطرفين.

يبدو أن الطرفين يدركان أن تنافسهما ينطوي على مخاطر كبيرة، لذلك جاءت زيارة بلينكن لوقف التدهور السريع في العلاقات والسعي لتحقيق حالة من الهدوء والاستقرار بينهما.

وأشارت الأنباء التي رشحت عن الزيارة واللقاءات إلى أن الزعيم الصيني تحدث بعد الاجتماع عن (إحراز تقدم) والتوصل إلى (أرضيات تفاهم بشأن قضايا محددة) بين الدولتين، من دون الإفصاح عنها، كما شدد على ضرورة أن تستند العلاقات بين الدول على (الاحترام المتبادل والصدق)، وأشار إلى أن الجانبين الصيني والأمريكي (اتفقا على متابعة التفاهمات المشتركة التي توصلا إليها مع الرئيس بايدن في قمة بالي بإندونسيا في شهر تشرين الثاني الماضي، والتي تنص على إدارة الخلافات بشكل فعال ودفع الحوار والتبادلات والتعاون وضمان ألا تنجرف المنافسة إلى صراع.

بلينكن من جانبه (وهو أول مسؤول أمريكي يزور الصين منذ خمس سنوات) أكد بعد اجتماعه بالزعيم الصيني عدة نقاط منها:

– إن واشنطن لاتزال ملتزمة بالالتزامات التي قطعها بايدن في أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة مع الصين، ولا تسعى لتغيير النظام الصيني، أو لمواجهة مع بكين.

– إن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان.

– التشديد على ضرورة العودة إلى جدول الأعمال الذي اعتمد في قمة بالي.

وكان وزير الخارجية الصيني تشين جانغ قد أكد أن مسألة تايوان تقع في صميم المصالح الجوهرية للصين، وأنها هي القضية الأكثر أهمية والأخطر وضوحاً في العلاقات الصينية – الأمريكي، وأشاد بالتزام الجانب الأمريكي بمبدأ صين واحدة، والبيانات الثلاثة المشتركة بين البلدين، والوفاء بالتزام عدم دعم ما يسمى (استقلال تايوان).

ولكن أين المشكلة بالنسبة لعلاقات واشنطن مع الصين، أو حتى غيرها من الدول التي لا تسير في ركب السياسة الأمريكية؟

المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة تتنكر دائماً لكل ما تلتزم به، وعلى سبيل المثال، بعد يوم من لقاء وزير خارجيتها بلينكن مع الزعيم الصيني شي، وصف الرئيس بايدن الزعيم الصيني بأنه ديكتاتور، وذلك خلال حفل لجمع التبرعات في كاليفورنيا، ما جعل الصين تستنكر ذلك وتحتج عليه، لأنه يشكل انتهاكاً للكرامة السياسية للصين، ويصل إلى درجة الاستفزاز العلني، وفقاً لما جاء في مؤتمر صحفي للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية.

هذه هي عادة أمريكا، وهذه هي سياستها القائمة على المراوغة والنفاق والحقد على كل من لم يناصر مشاريعها وأطماعها وعدوانيتها.

أمر غريب فعلاً، ففي الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن أن زيارة بلينكن للصين هدفها تخفيف التوتر وتجنب التصعيد، قام رئيسها بإطلاق هذا الوصف القذر والدنيء على الزعيم الصيني.

على كل حال الصين تعرف كيف ترد عملياً على الاستفزازات الأمريكية، وهي ماضية في صعودها دون توقف، وبالتالي تبقى كل المحاولات الأمريكية لإضعاف الصين أمراً في غاية الصعوبة، بل مستحيلة.

العدد 1105 - 01/5/2024