النكبة الفلسطينية في سطور  (1948_ 2023)

د. نهلة الخطيب:

تحتفل إسرائيل بمرور 75 عاماً على استقلالها؟! الدولة الاستعمارية العنصرية والمصطنعة التي قامت على العنف والإرهاب وبدعم قوي من المجتمع الدولي، الذي تربطها معه علاقات توءمة، وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي تدعم سياساتها وتغطيها، لأنها امتداد لهم في منطقة الشرق الأوسط ولاعتبارات أخرى، فهي دولة ديمقراطية وإثنية تخص اليهود فقط، لم ترسم لها حدود وتفتقد لدستور، وكما يقول إدوارد سعيد إسرائيل ليست مجتمعاً حقيقياً، بل هي شبه دولة زمنها محدود ومواطنوها موجودون فيها إلى أن يصيبهم الذعر فيضطرون لمغادرتها[1]. وهي فوق الشرعية الدولية، تسنّ وتشرع مع ما يتناسب مع مصالحها وبقائها، تعيش تناقضات واضطرابات داخلية تهدد وجودها، وحالة قلق دائم حول ديمومتها وهويتها ومكانتها ولا سيما أنها في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالأحداث والمتغيرات.

عملت الحركة الصهيونية باعتبارها حركة سياسية لليهود في كل أنحاء العالم، على وضع خطط للترويج لدعوى عودة اليهود إلى الأرض المقدسة مستفيدة من أطماع الدول الاستعمارية الأوربية في الشرق الأوسط، وتوافد المستشرقون وعلماء الآثار على القدس باعتبارها مهد المسيح ومكان دعوته وبوصفها أرض التوراة، وأسست جمعيات ومؤسسات ومدارس بحثية من أجل العثور على أي أثر يثبت حقها للعودة، وعملت على تكوين منظمات لتأمين هجرة اليهود وتدريبهم على القتال، الهاغانا، البلماخ، الأرغون، الشتيرون[2]، وعملت على تسويق فكرة الاضطهاد والمظالم التي يتعرض لها اليهود، وخاصة استغلال الممارسات النازية ضد اليهود بألمانيا وأوربا، وهناك وثائق تفضح تورط هذه الحركة في المحرقة النازية لإجبار اليهود على الهجرة إلى فلسطين[3].

طالب ليوبنسكر وهو طبيب روسي يهودي، سنة 1881 بضرورة جمع اليهود من أرجاء العالم في إقليم يمتلكونه ليكَون أمة يهودية، ثم تبعه هرتزل فرشح فلسطين لتحقيق الحلم باعتبارها الموطن الأصلي لليهود كما يدعي، وقد لقي طرحه تأييداً من الانتداب البريطاني حينذاك.

ومنذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 الذي عقده هرتزل وحتى يومنا هذا تعتبر القضية الفلسطينية جزءاً جوهرياً من النزاع العربي الإسرائيلي الذي نتج عنه نشوء الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتتمحور القضية حول شرعية دولة إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية قضية العالم التي لم يستطع إيجاد حل لها إلى الأن، قضية جاوز عمرها سبعة عقود ويقف المجتمع الدولي عاجزاً أمامها مع ضياع الحقوق الفلسطينية الموثقة بموجب قرارات الشرعية الدولية (194 و242)[4]، ومع غياب أفق لعملية سلمية لحل الصراع الإسرائيلي العربي الذي يعكس تداعياته على منطقة الشرق الأوسط بكامله، اذ لا استقرار في المنطقة دون حل حقيقي وعادل للشعب الفلسطيني.

جاءت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وهي كانت اتفاقاً وتفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا عقدها الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا بيكو والبريطاني مارك سايكس بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بينهم، بعد انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1922 وضعت فلسطين وسورية والعراق تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، فتخلصت من استعمار وتولاها استعمار.

وكانت أول خطوة يقوم بها الغرب لإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين وعداً أطلقه وزير الخارجية البريطانية آرثر جيمس بلفور عام 1917 للمليونير اليهودي البريطاني اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية، سُمّي وعد بلفور، وتعهدت فيه الحكومة البريطانية بإقامة دولة لليهود في فلسطين عندما دخلت القدس في 11/12/1917[5]، وتم الموافقة عليه من قبل فرنسا وإيطاليا واليابان رسمياً ثم الرئيس الأمريكي ولسون، وفي مؤتمر فرساي عام 1919 قدمت الحركة الصهيونية خطة تنفيذ مشروع استيطان فلسطين، وفي عام 1923 تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني بموافقة عصبة الأمم على مشروع الانتداب ووضع وعد بلفور حيز التنفيذ.

بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى وصل عددهم إلى 100 ألف مهاجر، قاموا بالإرهاب والعنف واغتصاب الأراضي الفلسطينية بمساعدة البريطانيين وطرد أصحابها منها بالقوة وتنفيذ أبشع المجازر بحق الفلسطينيين، راح ضحيتها آلاف المدنيين العزل من أطفال ونساء على يد عصابات الهاغانا والشتيرون، مما أدى إلى حدوث الهجرة الكبرى[6] في 5 أيار عام 1948، (كنا معروفين بكل بساطة بصفتنا اللاجئين العرب الذين هربوا لأن زعماءهم طلبوا منهم أن يهربوا)[7].

وما زالت النكبة الفلسطينية ذكرى يستقبلها الفلسطينيون في الخامس من أيار من كل عام، هذا اليوم بوصفه عنواناً لمأساتهم الوطنية والإنسانية والأخلاقية، ويجددون سنوياً ومنذ عام 1948 وفي هذه المناسبة الأليمة تحديداً، رفضهم لعمليات الاقتلاع والتهجير والتشريد التي لحقت بالشعب الفلسطيني، ولما تمثله هذه النكبة من كارثة بحق شعب اقتلع من أرضه واستولت على أجزاء كبيرة من وطنه عصابات صهيونية متطرفة، سعت وما تزال إلى إقامة كيان عنصري غاصب وترسيخ وجوده على الأرض الفلسطينية، يشكل حسب ما يدعون وطناً قومياً لليهود في العالم، في أبشع عملية تطهير عرقي واغتصاب لم تشهد البشرية مثيلاً لها بحق أرض وشعب له تاريخه وجذوره العميقة الراسخة في فلسطين التاريخية. وذلك خلافاً لكل المواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية، وبضمنها قرار الأمم المتحدة رقم 181 الذي قسم فلسطين التاريخية إلى دولتين إسرائيلية وفلسطينية، والقرار الدولي رقم 194 الذي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، والتعويض عن خسائرهم الوطنية والخاصة.

أعلن ديفيد بن غوريون رسمياً في 14 أيار 1948 عن قيام دولة إسرائيل التي خاضت حرباً مع سورية والأردن ولبنان ومصر، كانت نتائجها تقسيم القدس إلى قسمين: القدس الغربية لإسرائيل  والشرقية للأردن، بناء عليها رُسمت خريطة لحدود غير رسمية بين إسرائيل والعرب بسبب أطماع اسرائيل التوسعية في المنطقة العربية، وتم إعلان أن القدس الغربية هي عاصمة لدولة إسرائيل وسميت تل أبيب كعاصمة مؤقتة لهم في 3 /12/ 1948، وخضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية، وعقدت أول جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني بالقدس الشرقية في 29 أيار 1964 تم خلالها تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

ولم يلتزم الكيان الصهيوني الغاصب حتى بهذه القرارات على قساوتها وآلامها وأضاف نكبة جديدة إلى نكبات الشعب الفلسطيني في عدوان عام 1967، باحتلاله ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، مضيفاً بذلك تشريداً جديداً أليماً للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، وفي بلدان اللجوء (الشتات). إذ يشكل اللاجئون الفلسطينيون على أراضيهم وفي المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبلدان الاغتراب القسري نحو 65% من مجموع الشعب الفلسطيني.

احتلت إسرائيل القدس الشرقية واعتبرتها جزءاً لا يتجزأ منها رغم رفض المجتمع الدولي وعدم اعترافه بالضم، وإلى الآن تعتبر منطقة متنازعاً عليها، وصدرت موافقة على مشروع قرار من الكنيست بضم القدس الشرقية إلى إسرائيل سياسياً وإدارياً وفي العام نفسه خضعت القدس الشرقية للقوانين والنظم الإدارية، وفي 30/7/1980 أقر الكنيست القانون الأساسي (القدس الموحدة) واعتبار القدس بشطريها عاصمة موحدة لإسرائيل ومقراً لرئاسة الدولة والحكومة والكنيست والمحكمة العليا، ضارباً كل مساعي السلام والتسوية، وبدأت محاولات إسرائيل للحصول على اعتراف دولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لاعتماد القدس عاصمة لها وفي 23/10/1995صدق الكونغرس على قانون يسمح بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة مع إعطاء الرئيس كامل الصلاحية للتوقيع.

عملت إسرائيل  على طمس الهوية الفلسطينية وتصفية القضية وبناء المستوطنات في القدس وكل فلسطين، وربطت الفلسطينيين في القدس بمنظومة إسرائيل الاقتصادية والمعيشية من أجل بسط سلطتها على الأقصى والقدس، توترت الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل أحياء القدس، واندلعت مواجهات عنيفة فكانت الانتفاضة الأولى (1987-1990) تلتها مفاوضات سلام بين إسرائيل وأطراف النزاع العربية، اعترفت إبانها منظمة التحرير الفلسطينية بالقرار 242 الذي يحمل في طياته اعترافاً ضمنياً بدولة إسرائيل، وفي عام 1993 جرت محادثات سرية بين الطرفين في أوسلو النرويجية أفرزت اتفاق أوسلو، وهو اتفاق سلام وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل برعاية أمريكية في واشنطن، تنص على إقامة سلطة حكومة ذاتية ومجلس تشريعي منتخب في الضفة وغزة لفترة انتقالية خمس سنوات، يتخللها مفاوضات للتوصل إلى تسوية دائمة على أساس قرارات مجلس الأمن (242-338)[8]، وطبعاً إيجاد حل للقدس واللاجئين والحدود والثمن الاعتراف بإسرائيل كدولة.

طُرحت العديد من المبادرات للسلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بدأت بمبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية وتبنتها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تلتها اللجنة الرباعية الدولية وهي لجنة مختصة بالصراع العربي الاسرائيلي ومؤلفة من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة[9]، ولكن عبثاً، فقد بدأت إسرائيل عام 2003 ببناء جدار الفصل لحماية المدن الاسرائيلية من الفلسطينيين، ورأى المجتمع الدولي أن هذا يقلل فرص إطلاق مفاوضات سلام بين الطرفين المتصارعين. وفي عام 2004 أعلنت محكمة العدل الدولية أن بناء الجدار وسيطرة إسرائيل على القدس الشرقية إجراء غير قانوني بموجب القانون الدولي.

قام الرئيس الامريكي دونالد ترامب بقرار جريء متجاوزاً سابقيه من الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما في 6/11/2017 أعلن فيه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها ليشعل فتيل الصراع الملتهب أصلاً في منطقة الشرق الأوسط، وكان من تداعياته اقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع (قانون القدس الموحدة) الذي يحظر نقل أجزاء من القدس في أي تسوية مستقبلية إلا بموافقة ثمانين عضواً من الكنيست، وسط استنكارات وتنديدات عربية ودولية لهذا الاعتراف، وتأكيد على الهوية العربية للقدس الشرقية وعدم شرعية القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورغم أن كل القرارات الصادرة عن الامم المتحدة تؤكد أن القدس مدينة دولية ذات مركز قانوني خاص مع عدم جواز تغيير هذا الوضع بواسطة المحتل الإسرائيلي، عمل الاحتلال على انتهاك كل القرارات وتحدي المجتمع الدولي الذي أضاع الحقوق الفلسطينية الموثقة بموجب قرارات الشرعية الدولية، وفي ظل هذا المشهد تغيب أي آفاق لحلول سياسية أو تسويات.

استقلالهم يعني نكبتنا كفلسطينيين، ورغم أنفهم لا تزال القضية الفلسطينية تتصدر المشهد السياسي رغم محاولات التضليل الإعلامي وتغيير الرؤيا، ويعولون على تصفية القضية بالتقادم، ولكن الجيل الجديد رفع راية المقاومة وتمسك بحقه في تقرير المصير، ولم يعد ممكناً تجاهل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة فوق تراب وطنه.

[1] الحرب من اجل فلسطين، تعقيب إدوارد سعيد.

[2]– معاني النكبة \الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، تحولات عبر الزمان والمكان.

[3]– دولة الارهاب، كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب، توماس سواريز، 2018.

[4]– سرور طالبي، أهم قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية، مركز جيل البحث العلمي، سلسلة المحاضرات العلمية، فبراير 2022.

[5] – 100سنة على اتفاقية سايكس بيكو..والتقسيم مستمر، موقع جريدة الشرق الاوسط.

[6]– مرجع سابق، دولة الإرهاب، توماس سواريز.

[7] مرجع سابق

[8] مرجع سابق، سرور الطالبي.

[9]– القضية الفلسطينية والمتغيرات الدولية، موقع السياسة الدولية.

العدد 1107 - 22/5/2024