إسرائيل والولايات المتحدة.. شراكة استراتيجية

د. نهلة الخطيب:

كلنا يدرك أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية شراكة تاريخية تُرجمت على شكل مساعدات سياسية وعسكرية ومالية ساهمت في تطوير الجيش الإسرائيلي حتى أصبح أكثر الجيوش تقدماً في العالم، وهي ترتِّب على الولايات المتحدة الأمريكية واجباً أخلاقياً في الدفاع عن إسرائيل، وأن زيادة المنافسة وتسارعها بين القوى والتكتلات الدولية بعد الحرب الروسية الأوكرانية سيلزم إسرائيل بمعايير عالية من الديمقراطية الليبرالية، إضافة إلى تحديد طبيعة علاقاتها بروسيا والصين، وهذا ما يدفع الإدارة الأمريكية إلى تبني سياسات متشددة تجاه الدول التي تتحدى النظام العالمي والديمقراطية الليبرالية.

العلاقة بين واشنطن وتل أبيب يشوبها بين الفينة والأخرى فتور وتوتر، وقد وقعت مؤخراً  أزمة خطيرة تُظهر التدهور في مكانة إسرائيل الدولية منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة برئاسة بنيامين نتنياهو وشركائه المتطرفين في الائتلاف الحكومي، بسبب تصريحات وقرارات متهورة اتخذتها هذه الحكومة، ورغم أن إدارة جو بايدن اتخذت خطوة غير مسبوقة باستدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن، هدفت إلى إرسال تحذير لنتنياهو بلهجة حادة ومتوترة للغاية من استفزاز الرئيس الأمريكي، وصفها بيني غانتس بأنها جرس إنذار للحكومة الإسرائيلية، ومع ذلك بدأ تصاعد التراشق الكلامي بين إسرائيل وأمريكا استهلّه إيتمار بن غفير برسالة موجّهة إلى جو بايدن قائلاً: (على الرئيس الأمريكي وإدارته أن يفهموا أن إسرائيل دولة مستقلة وليست نجمة أخرى بالعلم الأمريكي)، وفي رد نتنياهو على تصريحات بايدن التي انتقد فيها الحكومة الإسرائيلية على خلفية التعديل القضائي المقترح والاحتجاجات الرافضة له: (إسرائيل دولة ذات سيادة لا تتخذ قراراتها استجابة لضغوط من الخارج بما في ذلك أعز أصدقائنا)، وصرح سفير إسرائيل الأسبق لدى الولايات المتحدة الأمريكية داني أيالون أن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن تمر بأكبر أزمة منذ عام 1991، وأن هناك حالة انعدام ثقة بالأمريكيين في الحكومة الإسرائيلية، وهي أزمة مختلفة عن سابقاتها لأنها تتعلق بالديمقراطية.

وجاء في التقرير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب لعام 2023، (إن أكبر تهديد استراتيجي وأمني تواجهه إسرائيل في الوقت الحالي يتمثل بإمكانية تدهور علاقاتها مع الدول الغربية والإدارة الأمريكية). وحذر التقرير من أن (الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية في إضعاف الجهاز القضائي والإضرار بالديمقراطية، إلى جانب تغيير نمط العلاقات مع السلطة الفلسطينية، يمكن أن تعرّض علاقات إسرائيل بواشنطن والغرب، وقد تؤدي إلى الإضرار بالأمن الإسرائيلي على المدى القريب).

إسرائيل تعيش ظروف قاسية ويتحدث أغلبية قادتها عن قرب الزوال، وسبب القلق من خطر الزوال هو التحديات التي تواجهها في الوقت الراهن. وقد أشار لها التقرير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الامن القومي، والمتمثلة بتصاعد الفعل الفلسطيني المقاوم وخاصة المقاومة من فلسطيني الداخل في القدس والضفة والذي يراه الاحتلال خطراً كبيراً في أي معركة قادمة، ويرى التقرير أن استمرار السلطة الفلسطينية هو مصلحة إسرائيلية، وفي ظل غيابها هناك خطر متزايد من تأجج العنف الذي قد يندلع رداً على تحركات إسرائيل، إضافة إلى الانقسام الداخلي وأزمة الحكم المتواصلة التي أفرزت الحكومة الحالية ممن هم متهمون بتهم جنائية وإرهابية وفساد، فهناك تماهٍ بين نتنياهو والمؤتلف معهم في الحكومة بما يخص القضاء ومحاولته السيطرة على القضاء وقُضاة المحكمة العليا، وبالتالي إضعاف الديمقراطية الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالحفاظ على حقوق الفرد والأقليات حسب التقرير، وتكشف طبيعة إسرائيل الحقيقية العنصرية والتفوق العرقي الديني، إضافة إلى عجز إسرائيل في مواجهة برنامج إيران النووي، وهو أخطر تهديد خارجي يواجه إسرائيل وخاصة بعد انشغال الغرب وأمريكا بالحرب في أوكرانيا، وبالتالي تبقى إسرائيل وحيدة في مواجهة التهديد النووي.

وقبل أن أختم لا بد لي من المرور على ذكرى يوم الأرض الذي يستقبله الفلسطينيون في 30 آذار من كل عام، هذا اليوم بوصفه صراع وجود لا حدود مع إسرائيل، وعنواناً لمأساتهم الوطنية والإنسانية والأخلاقية، والذي يأتي في ظل تصعيد خطير ضد الشعب الفلسطيني منذ تولي حكومة اليمين المتطرفة الحكم في إسرائيل نحو مزيد من سياسات التهجير القسري وسرقة المزيد من الأراضي، وتصعيد غير مسبوق من ميليشيات المستوطنين المسلحة وإطلاق يدها لتنفيذ جرائمها بحق الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وحرق منازلهم وسلب ممتلكاتهم، أن تكون فلسطينياً هو نعمة لم يتذوقها الكثيرون، فبالرغم من مرارة التاريخ لشعب ذاق الموت واحترق على حدود أحلامه وأعدمت فيه الحرية، يعيش على مفاوضات ومساومات وهدنات يبايعون عليها ويشترون، ولكنك أنت البداية والخاتمة وعَدت ألا تساوم، هي الأرض أرضك، هُنا هُنا موطنك وأنت الوريث الوحيد منذ الأزل.

تدهور أمن إسرائيل بلغة الأرقام الصادرة عن جهاز الشاباك بين آذار 2022 وآذار 2023:

_في عام 2022 نفذ الفلسطينيون 2609 عملية (إطلاق نار وطعن وإلقاء زجاجات حارقة ووضع متفجرات) بمعدل 217 عملية شهرياً قتل فيها 25 مستوطناً و8 جنود إسرائيليين.

_مع بداية 2023 نفذ الفلسطينيون 251 هجوماً في كانون الثاني و187 في شباط، و189 في آذار، قتل فيها 15 جندياً ومستوطن (نصف حصيلة سنة 2022).

وأخيراً كل ذلك يضع إسرائيل أمام مخاطر وجودية وخطوة في طريق الانحدار، والأفق بات أمامها ضيقاً، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتمرد على إسرائيل، لأن إسرائيل في الدولة العميقة والفكر المتصهين هي المرجعية لها ولأوربا، والعلاقة بينهم حميمية ومعقدة وأعتقد أنه زواج كاثوليكي بامتياز!

++++++++++++

  • يتصاعد الفعل الفلسطيني المقاوم وخاصة المقاومة من فلسطيني الداخل في القدس والضفة، والذي يراه الاحتلال خطراً كبيراً في أي معركة قادمة
  •  يأتي يوم الأرض في ظل تصعيد خطير ضد الشعب الفلسطيني منذ تولي حكومة اليمين المتطرفة الحكم في إسرائيل نحو مزيد من سياسات التهجير القسري وسرقة المزيد من الأراضي
العدد 1107 - 22/5/2024