استراتيجية يابانية عسكرية جديدة

د. صياح فرحان عزام:

مؤخراً، أصدرت اليابان وثيقة استراتيجية عسكرية تشكل بداية تحول في توجهها العسكري والأمني، وحقبة حسم لا في تاريخ اليابان وحدها، بل في تاريخ منطقة شرق آسيا، تحول مختلف في العلاقات السياسية والعسكرية بين أمريكا واليابان، إذ يبدو أن الشعب الياباني، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية المشحونة بالتوتر، توصل إلى قناعة بأن القوة وحدها هي التي يمكن أن تحافظ على وحدة بلاده، لا الإيديولوجيا، بعد أن ظلت اليابان منذ احتلالها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية محمية بالمظلة العسكرية الأمريكية، لأن الأمريكيين حرموا عليها بموجب الدستور الذي كتبوه لها ألا تعود إلى منطق الحروب، وألا تبني جيشاً كبيراً، حسب المادة التاسعة من الدستور المشار إليه.

لا شك في أن اليابان أفادت إلى حد ما من هذا الشرط بتقوية اقتصادها ومواردها المالية، ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً، لأنها كانت تمتلك بنية صناعية متقدمة منذ بداية القرن العشرين، ولكن في الوقت نفسه كانت سياستها الخارجية ولاتزال متسقة مع السياسة الأمريكية، وسارت معها وفي ظلها، من خلال الاعتراف بـ(تايوان) كممثل وحيد للشعب الصيني، ومن خلال الالتزام بكل مسارات ومتطلبات سياسة واشنطن في العالم. وبعد الانفتاح الأمريكي على الصين، مطلع السبعينيات من القرن الماضي، سارت اليابان في هذا التوجه الأمريكي بانفتاحها هي أيضاً على الصين، إلا أن العلاقات بين الطرفين الياباني والصيني ظلت في إطار الانفتاح الدبلوماسي فقط.. كذلك وافقت اليابان على المشاركة في مشروع (الحزام والطريق) الصيني، غير أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، التي بدأت منذ ما يقارب العام، خلطت الأوراق في العالم، فقد ظهر – كما أصبح معروفاً- محوران عالميان: الأول غربي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها حلفاؤها في الغرب والشرق، والآخر روسي – صيني ومعها دول مجموعة بريكس، وسرعان ما تبدلت السياسة اليابانية إزاء الصين، وظهرت ما أسمته القيادة اليابانية (تخوّف) ياباني من قيام الصين بعمل عسكري ضدّها على غرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

في الوقت نفسه، بدأت اليابان تسعى بشكل حثيث لبناء جيش قوي لمواجهة ما أسمته أخطاراً قادمة من الصين، لكن ذلك يتطلب تعديل المادة التاسعة من الدستور الياباني من أجل التمكن من بناء قوات مسلحة كبيرة وقوية وقادرة على مواجهة أي عدوان.

وتضمّنت وثيقة التحويل في الاستراتيجية الأمنية التي أعلنت عنها الحكومة اليابانية، ضرورة إجراء إصلاح شامل للسياسة الدفاعية، وبضمن ذلك زيادة الإنفاق العسكري والأمني، كذلك لوحظ تحرك ياباني لاكتساب قدرات (الهجوم المضاد) أو القدرة على ضرب قواعد العدو بصواريخ بعيدة المدى، والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية حول هذا الأمر. وأشارت الوثيقة أيضاً إلى أن الدول المحيطة بالصين تقدمت في التقنيات الخاصة بالصواريخ كمّاً ونوعاً، ولهذا تحتاج اليابان إلى تحسين قدراتها العسكرية.

أخيراً، يبدو أن العالم يتجه إلى عسكرة كل شيء حتى الاقتصاد والسياسة.

 

العدد 1107 - 22/5/2024