بلا عنوان

رمضان إبراهيم:

الكلّ يحاول الهرب لينجو من الموت.. الموت الذي لا بدّ منه.. الشوارع تغص بالسيارات المسرعة في كل اتجاه.. الأرصفة لم تعد تتسع لوافد جديد.. أناس افترشوا خوف أبنيتهم وتوسدوا أمان الساحات.. البيوت تبحث عن ساكنيها.. الزوايا والتحف والأريكات وحتى الأسرّة باتت باردة وموحشة..  تخلوا عنها بلحظة وأسلموا كل شيء للخراب.

الخوف يتجول في عيون الجميع ممزوجاً بدموع ضائعة على كل شيء.

صمت رهيب.. الكل يردّد سراً أو علانية عبارة واحدة: (لطفك يارب!).

ثوان قليلة كافية ليتذكر المرء عمراً أنفقه بعيداً عن الله وبعيداً عن الخوف وبعيداً عن صحته وسعادته وأحياناً عن أهله وعائلته بحثاً عن شيء واحد هو المال.

لحظة واحدة يتفقدون بعضهم البعض في وقت باتت أجهزتهم الخليوية لا تساوي لعبة أطفال قديمة.

تعطلت الشبكات تماماً كعقول العديد ممن أرعبتهم الأرض بثوان قليلة.

الأكثرية سهروا في الشوارع.. داخل سياراتهم أو على المنصفات وبعضهم في الساحات.

كل مجموعة منهم متكومة حول نفسها هرباً من البيوت خوفاً من الزلزال المرتقب.

الساعة الحادية عشرة ليلا.. بدأت مباراة ريال مدريد وليفربول في دوري الأبطال والشباب يتابعون المباراة عبر هواتفهم الخليوية.

كانت المباراة حامية ونارية وسجل فيها سبعة أهداف تقدم بها ليفربول بهدفين، وعاد الريال بعد الدقيقة ٢٠ وأحرز خمسة أهداف لدرجة أن الشباب نسوا أنفسهم، وكلما دخل هدف تعالت الصيحات لدرجة أن الذين لا يهتمون للرياضة ارتعبوا، والناس الذين بقوا في بيوتهم نزلوا إلى الشارع من حدة الصياح ظنّاً منهم أن زلزالاً آخر قد وقع.

قال عجوز عتيق:

هل هي القيامة!؟

قال الشارع: لن أنام وحيداً بعد اليوم.

قالت البيوت بصوت واحد:

لا تتمسّكوا بنا كثيراً.. لا بدّ أن نفترق.

القهقهات المنبعثة من كل الاتجاهات بقي صداها يتردد في آذان الجميع لوقت طويل.

 

العدد 1105 - 01/5/2024