منتدى دافوس الاقتصادي.. يا له من رحمٍ عقيم!

د. نهلة الخطيب:

منتدى دافوس في دورته 53 المنتدى الاقتصاد العالمي الذي انطلق من منتجع دافوس في سويسرا هو أهم منتدى اقتصادي، بدأ مع العولمة ومع سيطرة الشركات الكبيرة على الاقتصاد العالمي. جاء منتدى عام 2023 في وقت يواجه فيه العالم تحديات خطيرة وأزمات شديدة غير مسبوقة على الأصعدة كافة، لعل أهمها قضية المناخ والاحتباس الحراري التي تهدد البشرية عامة، والتي تتجلى بتراجع نسبة الثلوج التي تغطي قمم جبال الألب السويسرية بنسبة 10% عما كانت عليه في أول اجتماع للمنتدى عام 1971. الأمين العام للأمم المتحد أنطونيو غوتيرش أكد في كلمته في افتتاح أعمال المنتدى لهذا العام أن العالم كله خاسر في أزمة المناخ، ودعا الدول الصناعية الكبرى إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن عدد من التحديات، وأكد أن الوقت حان الآن أكثر من أي وقت مضى لتشكيل مسارات للتعاون في عالمنا المجزأ. ولا يخفى على أحد أن الدول الصناعية هي سبب انبعاثات الكربون الهائلة الى الفضاء بسبب تفوقها الصناعي والعسكري.

تهيمن قضية أوكرانيا والحرب الروسية، إلى جانب تغير المناخ، على منتدى دافوس، وكذلك التوترات الجيوسياسية والجيواستراتيجية بين القوى العظمى وما لها من تداعيات على العالم وتهديد لأمن الطاقة وأمن الغذاء والأمن الاقتصادي من زيادة التضخم وتراجع النمو وارتفاع الأسعار والأوبئة، من دون أن نلمس رؤية واضحة أو تعاوناً لإنهاء الصراع وإنقاذ العالم والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، بل تؤكد القراءات على التصعيد ونشوب حرب عالمية ثالثة قد تكون نووية، ومحاولات بعض الدول للدخول إلى النادي النووي بعد إخفاقات الأمم المتحدة من تقليص وحظر التسلح النووي مما يعني مزيداً من الخطر، وهذا ما أكده كلاوس شواب مؤسس المنتدى بقوله: لقد وصل جيلنا إلى نقطة تحول في مواجهة مشاكل وجودية حقيقية كتغير المناخ واستغلال الطبيعة والحوادث النووية المحتملة وحتى الحروب والفقر المدقع والعنف.

غياب روسيا للسنة الثانية على التوالي، والحضور الخجول للصين المنشغلة بأمورها الداخلية جعلا أوكرانيا من أكبر المستفيدين من دافوس، فقد تعهد القادة الأوروبيين بدعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها وتزويدها بالأسلحة والمال، وهذا يزيد تعمق الأزمة والانقسامات وتفكك المشهد السياسي.

منتدى دافوس منظمة دولية مستقلة غير مرتبطة بأي حزب سياسي وغير ربحية،  تأسست في أوائل السبعينيات في سويسرا، أهم أهدافها تحسين وتطوير العالم ووضع سياسات لتفادي ما يواجهه من عقبات وأزمات، يجتمع فيه كبار رجال الأعمال وقادة سياسيون دوليون ومفكرون وإعلاميون وأصحاب قرار وفاعلون دوليون وشركات عالمية مسؤولة عن تمويل المنتدى مادياً، أهمّ اجتماعاته تُعقد في مدينة دافوس بسويسرا في الشهر الأول من كل سنة لمدة خمسة أيام، وتنظم اجتماعات دورية في إفريقيا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية وفي الشرق الأوسط، تناقش الأزمات التي تواجه العالم ولاسيما أزمات العولمة والرأسمالية والبيئة والاحتباس الحراري، وتُصدر تقارير تركز المخاطر العالمية وتتنبأ وتطرح حلولاً.

تعرضت المنظمة لانتقادات شديدة من قبل المعارضين للعولمة برأيهم أن الرأسمالية والعولمة تزيدان من مستوى الفقر وتدمران البيئة، وقد كشفت منظمة أوكسفام في تقريرها السنوي مع انطلاق المنتدى الذي يجمع النخب الاقتصادية والسياسية في منتجع دافوس السويسري حول انعدام المساواة وغياب العدالة الاجتماعية، وأن أغنى 1% من البشر قد استحوذوا على ما يقارب ثلثي جميع الثروات الجديدة التي تبلغ قيمتها 42 تريليون دولار في عام 2020، وهي تعادل ضعف الأموال التي كسبها 7 مليارات شخص الذين يشكلون 99% من سكان العالم.

الرؤية ضبابية وقاتمة لا حلول ولا قرارات ملزمة، وكما الأعوام الماضية يجتمعون لأهداف معلنة تحمل مناقشات لحلول أزمات يعاني منها الفقراء واقتصاد العالم وأزمة الطاقة والإمدادات، ولا تنفذ لأنها بالحقيقة وهمية تخفي الهدف الأساسي للمنتدى وما يجري وراء الكواليس، إذ يغتنم رؤساء الشركات والمستثمرون والسياسيون وجودهم في دافوس لإجراء مشاورات على هامش المؤتمر واتفاقيات وعقود عمل لمصالح خاصة جداً يزيد الأغنياء غِنىً والفُقراء فقراً.

يقول بيتر غودمان صحفي أمريكي موضحاً عمل المنتدى: خلال أربعة أيام في جناح خاص في أحد فنادق منتجع دافوس يمكن عقد صفقات أكثر مما يفعلون في أشهر من الرحلات حول العالم.

العدد 1105 - 01/5/2024