السياسة التنظيمية لإدارة العافية في المؤسسات

* ما هو المقصود بإدارة الصحة والعافية في مكان العمل؟!

 

هي السياسة التنظيمية التي تضعها إدارة المؤسسة لتفعيل السلوك الصحّي في مكان العمل، وقد أطلقت منظمة الصحة على هذه السياسة (رفاهية الشركة أو رفاهية الموظفين).

وغالباً ما يشتمل برنامج العافية في مكان العمل على أنشطة مختلفة مثل التثقيف الصحيّ والفحوصات الطبية والبرامج الغذائية.

وقد بيّنت الدراسات والأبحاث أن مثل هذه البرامج توفر أموال المؤسسة وتزيد من إنتاجها، فترتفع نسبة الأرباح لديها، وقد تشمل هذه السياسة السماح بمرونة الوقت لممارسة الرياضة، وتوفير مطبخ لتناول وجبة طعام صحّية في وقت محدّد، وتخصيص مساحة من الطبيعة يمكن أن تُعقد اجتماعات فيها (للتحدث والمشي)، وتقديم حوافز مالية والمشاركة في أرباح الشركة.

وقد تشمل السياسة التنظيمية الاهتمام بتصميم البناء، مثل وجود مساحة طبيعية والاهتمام بنباتات الزينة، لأن ذلك يزيد الرفاهية والإنتاج بنسبة 20% والإبداع بنسبة 15%.

 

 

* ما هي الأسباب التي دعت إلى التفكير بسياسة تنظيمية للصحة والعافية داخل المؤسسات؟!

  1. لقد مرّ الناس خلال سنوات الأزمة بالكثير من الضغط الذي أدى إلى الإرهاق والاحتراق النفسي، إن وجود برنامج للرعاية الصحية يساعد على التعامل الإيجابي مع الضغط ويخفف من الإصابة بالأمراض.
  2. بسبب غلاء المعيشة، لم يعد الموظف قادراً على تأمين رعاية ذاتية له ولأفراد أسرته، وبالتالي أصبح عرضة للضغط النفسي بشكل أكبر.
  3. بسبب الأزمة والحصار الذي فرضته الدول الأجنبية على سورية، لم يعد بقدرة الناس الذهاب إلى الطبيب وتأمين الدواء اللازم لهم، الأمر الذي أدى إلى تفشي الأمراض والأوبئة.
  4. ضعف دخل الفرد والضغط الذي يعاني منه، أدى إلى اكتساب الناس سلوكيات عدائية، سلبية، هدّامة، الأمر الذي يُضعف ويؤخر الأداء والإنتاج في بعض المؤسسات.

* تهدف السياسة التنظيمية إلى التخفيف من ضغط العمل على الأفراد ومساعدة الموظفين والعمّال على التعامل بإيجابية مع الضغط كي لا يسبب لهم احتراقاً نفسياً وبالتالي احتراقاً وظيفياً. إذاً تهدف السياسة التنظيمية إلى بناء الذات بإيجابية ليكون كل فرد قادراً على التواصل الإيجابي مع الآخر، وبالتالي قادراً على العطاء والعمل بصدق ومحبة في مكان عمله.

* لقد جاء في مسودة برنامج العمل الثالث عشر 2019 م – 2023م الصادر عن منظمة الصحة العالمية بهدف تعزيز الصحة والحفاظ على سلامة العالم وخدمة الضعفاء:

(الصحة حق من حقوق الإنسان، وينبغي ألا يمرض أي شخص أو يموت لمجرد أنه غير قادر على الحصول على الخدمات التي يحتاج إليها).

وبما أن الصحة هي حق من حقوق الإنسان، فيجب علينا بالدرجة الأولى أن نحرر مؤسساتنا من الضغط الذي يعاني منه الأفراد، والذي يؤثر بشكل سلبي على رأس المال البشري في بناء المؤسسة وبالتالي الدولة.

 

 

* ما هي الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الفرد بالضغط؟!

  1. العبء في العمل، العمل الإداري الزائد الذي يؤدي إلى الإرهاق، العلاقات الفوضوية فيما بين الأشخاص، وعدم القدرة على حل الخلافات أو النزاعات.
  2. الحالات اليومية التي يصعب توقعها وعدم الاستعداد لها.
  3. قلّة التعليم وضعف التطوير المستمر الملائم لوضع الفرد سواء كان موظفاً أو عاملاً أو معلماً أو مديراً.
  4. عدم توفر مساحة كافية في مكان العمل، أو يسكن في بيت غير مريح وغير مخدّم.
  5. عدم قدرة الشخص على الفصل بين حياته الشخصية وحياته المهنية.
  6. عدم وجود إمكانية للترقية والتطور في مكان العمل، وعلاقات سلبية داخل الأسرة.
  7. ضعف الوضع المادي وعدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية والضرورية له ولأفراد أسرته.
  8. البطالة، قلة فرص العمل أو غيابها، واحتكار أشخاص لا يملكون الكفاءة ولا الخبرة ولا المؤهل الأكاديمي للفرص المتاحة.
  9. التهجير القسري للعقول المبدعة والمفكرة، ونسب الأفكار البناءة لغير أصحابها، وعدم تفعيل البرامج والخطط بشكل صحيح.

 

 

* ما هي علامات وأعراض الضغط؟!

  1. جسدية: ارتفاع في نبضات القلب، صداع، توتر عضلي، ألم في المعدة، مشاكل في النوم، ضيق في التنفس.
  2. نفسية: صعوبة في التركيز، النسيان، الشعور بالإرهاق، التفكير الدائم بموضوع محدد، صعوبة اتخاذ القرار بسبب تعرض الشخص للتخويف.

 

  1. انفعالية: نوبات انفعالية مفاجئة وتغيّر في المزاج، (الضحك أو البكاء بشدة) الشعور بالحزن الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب، فقدان حسّ الفكاهة والشعور بالضيق، الغضب دون سبب واضح، النقد الذاتي باستمرار ولوم الذات.
  2. سلوكية: التهوّر والتسرع، الإسراف في شرب الكحول، التدخين أو شرب الحشيش وتعاطي المخدرات، عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، استخدام عقاقير الدواء لغير ما وُصفت له.
  3. اجتماعية: ردود فعل مبالغ فيها على سلوك الآخرين، إلقاء اللوم على الآخرين في أي تصرف، الانسحاب الاجتماعي، الجدال الزائد مع الآخرين، العدائية، عدم تقبّل نجاح الغير والتنمّر عليه.

 

* ما هي ردة فعل الدماغ تجاه الضغط؟!!

يُعد التعرض للضغط حالة فردية للغاية، كل شخص يتأثر بطريقة مختلفة وبنسب متفاوتة.

يتكوّن الجهاز العصبي من:

  1. الجهاز العصبي المركزي: الدماغ والحبل الشوكي.
  2. الجهاز العصبي الطرفي: ويتكون من جهازين فرعيين: الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي يتألف من الجهاز العصبي الودي. والجهاز العصبي الحسي، الذي يتكون من الجهاز العصبي اللاودي.

عندما يمر الإنسان بمرحلة من الضغط، يتم تنشيط الجهاز العصبي الودي، ونتيجة لذلك يشدّ الجهاز العضلي، وبالتالي تحتاج العضلات إلى المزيد من الأكسجين والمغذيات من أجل أن تؤدي مهامها على الوجه الأمثل.

يتم توصيل الأكسجين إلى هذه العضلات من خلال الدم، مما يتطلب من القلب _ تحت الضغط _ أن ينبض بشكل أسرع وأقوى مما يسبب تسارعاً في دقات القلب.

يؤدي الشدّ العضلي إلى تضييق الأوعية الدموية والشرايين، مما ينتج عنه المزيد من ضغط الدم على الغلاف الداخلي لهذه الشرايين وبالتالي رفع مستوى ضغط الدم.

يتسبب الضغط المستمر في شدّ عضلي مستمر يسهم في حدوث الصداع، وآلام في الظهر والكتف، كما يزيد النشاط المرتفع للجهاز العصبي الودي إلى زيادة إفراز الأحماض الهضمية في المعدة، لذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من الضغط الشديد يمرون بأعراض فقدان الشهية وتقلّ كمية الطعام التي يتناولونها، وبالتالي تؤدي الأحماض الزائدة في المعدة مع قلّة الطعام إلى ظهور التقرحات وآلام المعدة.

يعمل جهاز الغدد الصماء في جسم الإنسان بشكل وثيق مع الجهاز العصبي. تنظم الغدة النخامية في الدماغ إفراز الهرمونات للغدد الصم الأخرى في الجسم. تقع هذه الغدة مباشرة تحت النواة الوطائية التي تقوم مع الغدة النخامية بتنسيق عمل الجهاز العصبي وبقية الغدد الصماء بما في ذلك الغدة الدرقية والغدة الكظرية.

 

تنشط كلّ من النواة الوطائية والغدة النخامية والغدة الكظرية عندما تكون تحت وطأة الضغط مشكّلةً ما يُسمى محور (HPA)، يتم إرسال المزيد من الأدرينالين إلى العضلات، ويتأثر توازن الهرمونات الدماغية أيضاً، وهذا يجعل الإنسان أقل قدرة على التفكير بوضوح واتخاذ القرارات وحلّ المشكلات وتذكَر الأشياء.

 

* ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الاحتراق النفسي وبالتالي إلى الاحتراق الوظيفي؟!!

الاحتراق النفسي هو متلازمة ناتجة عن ضغط مزمن في مكان عمل ذي إدارة غير جيدة، ويتسم بثلاث سمات:

  1. الإرهاق ونفاد الطاقة والقوة.
  2. الشرود الذهني المتزايد عن الواقع، أو وجود مشاعر سلبية أو تهكمية حول عمل الفرد.
  3. انخفاض الفاعلية في العمل.

ويرتبط الاحتراق النفسي الذي يؤدي إلى الاحتراق الوظيفي بالعوامل التالية:

  1. عبء العمل الزائد الذي يؤدي إلى استنفاد قدرة الفرد على تلبية متطلبات العمل. وعدم وجود فترة للاستراحة وانعدام الفرص لتحسين مهارات الأفراد وتطويرها، وعدم اهتمام الإدارة بالبحث عن طرق لتسهيل العمل.
  2. التحكم: عدم قدرة الأفراد على إبداء آرائهم، وبالتالي هم لا دور لهم في اتخاذ القرارات ولا يحق لهم استخدام الطريقة التي يرونها مناسبة ليكونوا مستقلين، وبالتالي هم لا يشعرون بأنهم مسؤولون عن واجبهم، لذلك ينتهي بهم الأمر بلا مبالاة فأمر العمل غير مهم.
  3. التعزيز: قلّة التقدير وغياب المعززات سواء كانت مالية أو اجتماعية، يقلل من قيمة العمل، وينخفض تقدير الأشخاص لذاتهم. إن غياب التقدير معناه أنه يوجد علاقة غير صحيحة بين العاملين والإدارة.
  4. المجتمع: يساعد العمل الأفراد على تحسين وضع معيشتهم ويرفع من مستواهم الاجتماعي، ويلعب المجتمع والبيئة المحلية دوراً في العلاقات بين الأفراد داخل المؤسسة، فإذا اتصفت هذه العلاقة بقلة الدعم وغياب الثقة ووجود خلافات لم يتم حلّها، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف الشخص في مكان عمله، أما عندما تكون علاقات العمل جيّدة ويتوفر دعم اجتماعي كبير، فيتكوّن لدى الأفراد وسائل فعّالة لحل الخلافات ويتمكنون من تحديد علاقاتهم داخل المؤسسة وسيكونون قادرين على الاندماج في مكان العمل.
  5. العدل: وهو مدى رؤية الأفراد للقرارات الصادرة عن الإدارة على أنها منصفة وعادلة. مثلاً عندما يُنظر إلى الموظف أو العامل بحسب مكانته الاجتماعية أو حرمان موظف من مكافأة وتفضيل آخر عليه لمصلحة شخصية، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيد على مشاعر جميع العاملين وسيؤدي إلى ظهور مشاعر التهكم والغضب لأنه لم يتم احترامهم وتقديرهم.

(من الضروري أن يتم التعامل مع الجميع داخل المؤسسة بالحق والعدل، وذلك من خلال تبني سياسة للثواب والعقاب، التحفيز والمكافأة، أو سحب صلاحية وامتياز).

  1. القيم: وهي المُثل والدوافع التي جذبت الموظفين والعمال إلى وظائفهم وعملهم، لذلك فهي الصلة التي تُحفّز الموظف للاستمرار في العمل، لأنها شيء يتخطى المنفعة المتبادلة للوقت مقابل المال أو التقدم المهني.

عندما يكون هناك تضارب في قيم العمل أي أن يصبح هناك فجوة بين قيم الموظفين والعاملين وقيم المؤسسة، فيجد الموظفون أنفسهم في حالة مقايضة بين العمل الذي يريدون القيام به وما يتم إجبارهم عليه، تكون النتيجة إصابتهم بالاحتراق النفسي.

(رفض موظف أو عامل قبول رشوة للقيام بعمل يتناقض مع قيمه ومبادئه أو يتعارض مع قيم المؤسسة وتوجهها، فيصبح عرضة للضغط والتنمر مما يؤدي إلى احتراقه نفسياً ووظيفاً). غياب القيم والمبادئ داخل المؤسسات هو سبب مباشر لانتشار الفساد.

 

* ما هو الحل؟!! ما هي جوانب العافية داخل المؤسسة؟!!

  1. الرعاية الروحية: ترتبط العافية الروحية بمجموعة من القيم والأخلاق والمعتقدات لتوجيه أفعال الإنسان، فبالدرجة الأولى يجب أن يكون هناك توافق بالمثل والقيم والمبادئ بين العاملين والمؤسسة.

وللمحافظة على الصحة والعافية الروحية داخل المؤسسة يجب:

* الاهتمام بمكان العمل، بأن يكون مريحاً، فيه إضاءة كافية، التهوية فيه جيدة، لكل شخص مساحة مناسبة له ليتحرك بسهولة.

* قبل البدء بالعمل واستلام المهام اليومية، يجتمع جميع العاملين في فسحة (حديقة أو مكان واسع فيه ملامح من الطبيعة، يتبادلون تحية الصباح فيما بينهم ويشربون القهوة مع قطعة حلوى، ثم يبدأ كلٌّ منهم عمله.

* توضيح قيم المؤسسة وقيم كل شخص لكي يكون الجميع مرتاحين ويشعرون بالحرية أثناء العمل، وذلك من خلال تحديد هدف قيمي والعمل عليه مثلاً (يوم الفرح والابتسام) فيبدأ الجميع يومهم والابتسامة مرسومة على وجوههم، أو مثلاً (لا نتحدث بالسوء عن أحد) وهكذا.

  1. الرعاية الجسدية: تتضمن اتخاذ خيارات لتلبية حاجات الجسم بطريقة إيجابية وصحيحة تتناسب مع القيم المتعلقة بالصحة الجسدية ورعاية الذات، كالنوم باكراً، الاهتمام بالنظافة الشخصية، الاسترخاء والتأمل، الصحة الجنسية، إدارة الأمراض والإصابات وتعاطي الكحول والمخدرات.

إن الاهتمام بالذات ضروري للتعامل الإيجابي مع الضغط، وهذه بعض الاقتراحات التي قد يكون من الجيد تطبيقها داخل المؤسسة:

* تجهيز عيادة تخصصية كاملة، يحق لجميع العاملين الاستفادة منها مع أفراد أسرهم (الزوج أو الزوجة والأولاد).

* إعداد صيدلية قادرة على تأمين الدواء لجميع العاملين داخل المؤسسة وبشكل مجاني.

* تخصص المؤسسة لكل موظف بطاقة صحية يحق له استخدامها هو وعائلته (الزوج أو الزوجة والأولاد).

* تأمين بطاقة غذائية تساعد الموظف أو العامل على شراء الخضار والفواكه والأجبان والألبان واللحوم والبيض والحليب، من الممكن أن تكون البطاقة محددة قيمتها مسبقاُ وتستخدم من محلات تابعة للمؤسسة أو تم الاتفاق معها مسبقاً.

* تجهيز المؤسسة بصالة رياضية مناسبة لحاجة الأفراد، ومن الممكن تهيئة مكان للتدليك والمساج.

* من الممكن تخصيص يوم في الشهر يشارك فيه جميع العاملين (مثل: ركوب الدراجة، المشي أو الركض، السباحة، لعب كرة السلة أو القدم، لعب كرة المضرب أو الهوكي، …الخ).

* إعداد برامج للتوعية الصحية مثل (برامج التغذية، أو معالجة التدخين وشرب الكحول، …الخ).

  1. الرعاية الفكرية: وهي الراحة الفكرية وتعني القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، والسعي نحو تطوير المعرفة. إن تنمية العافية الفكرية تساعد على حل المشكلات والخلافات والانفتاح على تجارب الآخرين وعلى اكتساب مهارات جديدة والبحث عما هو جديد دائماً.

إن العافية الفكرية تعني الإبداع والعمل بحرية، والقدرة على عرض المشاريع والأفكار دون خوف أو قيد أو شرط، لأنه يوجد حقوق لصاحب الفكر والجهد، لا أن يُنسب جهد شخص وتعبه إلى شخص آخر، وأن يكون موضع تقدير واحترام لدى صاحب العمل.

تتضمن العافية الفكرية متابعة العمل بطريقة صحيحة وإيجابية وتوزيع العمل على أيام الأسبوع بشكل مناسب.

 

  1. الرعاية الاجتماعية: تشير إلى العلاقات بين الأفراد داخل المؤسسة وكيفية تفاعلهم فيما بينهم.

يتضمن هذا البعد بناء علاقات صحيّة ورعاية ودعم، إضافة إلى تعزيز اتصال حقيقي مع الذات ومع الآخرين. إن العافية الاجتماعية مهمة للمحافظة على الانسجام في جميع العلاقات من المعارف إلى الأصدقاء المقربين والعائلة.

هذا البعد مهم لإدارة الحدود بين الأشخاص من أجل الحصول على تواصل إيجابي وفعّال.

* إن الحدود الصحية ضرورية لأنها تساعد على حماية الصحة النفسية والانفعالية، فإذا غابت الحدود يصبح لدينا شخص بلا هوية قوية أو أنه تابع لشخص آخر أو أن مديره يفرض عليه شخصاً أقل منه كفاءة أو شخص لا يستطيع التعامل معه بسبب اختلاف كبير بالقيم والأفكار.

كما تسهم الحدود الصحية في بناء الهوية الشخصية، وتسهم بشكل خاص في تحديد تفرّد الشخص وتحديد ما يكون مسؤولاً عنه وما هو ليس مسؤولاً عنه، وهي مكوّن مهم في رعاية الذات، لأن الحدود الضعيفة في مكان العمل أو في العلاقات الشخصية تقود إلى حالات من السخط والكره ينتج عنه غضب ونفور قد يؤدي إلى الاحتراق النفسي نتيجة العلاقات الفوضوية، أعباء مالية وإضاعة للوقت، …الخ.

* إن الحدود الصحية تساعد على اتخاذ القرارات فيما يخص المصلحة العامة وليس فقط المصلحة الشخصية، وهذا يُعد استقلالاً ذاتياً وهو مهم في رعاية الذات.

* إن توضيح العلاقة مع الآخرين ضروري للحفاظ على الطاقة النفسية والبدنية لفريق العمل، (من الجيد أن يوضح كل شخص ما هي قيمه وما الذي يؤثر عليها كي لا يتعدى أحد عليه، مثلاً لا يجيب فلان على الهاتف بعد الساعة 10 ليلاً، أو عدم الإجابة على مكالمات العمل أثناء العطلة أو الإجازة، …الخ.

* إن العمل يساعد الإنسان على تحقيق ذاته والتحرر من القيود والعبء الاجتماعي، وبالتالي فإن الرعاية الاجتماعية الإيجابية والصحيحة تؤدي إلى مجتمع معافى.

  1. الرعاية العاطفية: المقصود بها التعرف على عواطفنا ومشاعرنا وفهمها وقبولها، وتعزيز نقاط القوة الموجودة بداخل كل شخص.

* الاهتمام بشكل ذاتي (بمجلة أو جريدة الشكر والامتنان الذاتية)، إن هذه الجريدة تمنح الإنسان مكاناً شخصياً لتذكّر الأشياء الجيدة في حياته، وذلك من خلال تدوين الأشياء والمواقف التي يشعر بالامتنان لها، في هذه الحالة يطلق الدماغ هرمونات (الشعور بالسعادة) مثل الدوبامين والسيروتونين، هذا يحسّن المزاج ويساعد على الشعور بالتفاؤل، فيرغب الدماغ بتجربة المزيد من الفرح والمتعة.

لذلك فإن الاهتمام بالأنشطة يساعد على خلق لحظات جميلة بين الأشخاص ويكسر الحواجز بينهم ويسهل التواصل والتحدث بهدوء وحرية. إن الراحة النفسية تؤثر على سلوك الأفراد ليس فقط داخل المؤسسة وإنما داخل الأسرة أيضاً حيث سيتمكن كل شخص من نقل شعوره بالفرح إلى أفراد أسرته.

إن برنامج إدارة الصحة والعافية أو برنامج رفاهية الشركة والموظفين يعود بفوائد كثيرة:

أولاً_ على الفرد: الاهتمام بصحته ونظافته الشخصية، وحصوله على معاينة طبية دورياً ليقي نفسه من الأمراض، وعندما يتم تأمين مصاريف علاجه ودوائه، فهذا سيؤدي إلى زيادة رأس المال البشري الفعّال القادر على البناء.

ثانياُ_ على المؤسسات: إن الموظف المعافى جسدياً ونفسياً يكون قادراً على الإنتاج، وبالتالي عندما يكون جميع الأفراد داخل المؤسسة بصحة جيدة فهذا يؤدي إلى زيادة في الإنتاج وزيادة في الأرباح، عندئذٍ ستكون المؤسسة قادرة على مشاركة كل شخص يعمل فيها بالأرباح السنوية.

ثالثاً_ على الأسرة والمجتمع:

* عندما يكون الأم والأب قادرين على تأمين المتطلبات اليومية والحاجات الضرورية لأولادهم سيكونون قادرين على تخصيص وقت للحديث واللعب معهم، وسيتمكنون من الخروج معهم في نزهات ورحلات.

* عندما تخصص كل مؤسسة، خاصةُ المعامل، بيوتاً سكنية (قرية سكنية كاملة) لجميع العاملين فيها على حد السواء، تكون بيوتاً صحية ومخدّمة وتتوفر فيها جميع وسائل الراحة، سيكون لدينا عامل قوي، مرتاح، مرفه، محب، معطاء، قادر على الإنتاج.

عندما تهتم الحكومات ببرنامج العافية سيصبح الجسم في المجتمع معافى وقادراُ على وقاية نفسه من الأمراض، كما أنه لا نستطيع أن نحل الخلافات والنزاعات الداخلية ما لم نتمكن من تعزيز القيم الإيجابية داخل النفس البشرية لكي يتواصل الناس معاً بمحبة ومودة بعيداً عن الحسد والطمع والرشوة.

إن تحسين الوضع المادي للفرد سيساعد على زرع الشعور بالمسؤولية تجاه سلوكه وتصرفه بحق المؤسسة التي يعمل فيها.

يداً بيد لبناء سورية الجديدة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024