أحلام حاقدة لمواطن درجة ثانية!!

حسين حسين:

لو كنت نيرون، لأشعلت بعقب لفافتي جلد هذه الأرض الجاحدة التي أعطيتها من دمي وسني عمري، ولم تعطني إلا التشرد على أرصفتها، لأجلس بعد ذلك متربّعاً كقطّ في مملكته العظمى فوق أرقى مزابل هذا الوطن، متمرّغاً في القمامة من الضحك، وأنا أشاهد بعيني هذا الشعب وهو يلهث من الصباح الى المساء وراء كسرة خبز وحفنة كرامة مهدورة!

لو كنت خائناً لخضت مفاوضات مريرة وسيكارتي مائلة في زاوية فمي، عارضاً خرائط هذا الوطن بجباله وسهوله ببحاره وأنهاره، بثرواته المنهوبة، وناهبيه بربطات أعناقهم الملونة وخطاباتهم ومكبرات صوتهم، بجياعه ومشرديه، بعماله وفلاحيه بأحزمتهم المشدودة حول بطونهم الغائرة- ولعرضت كل ذلك مقابل ليلة أقضيها مع غانية مزرقة اللحم.

لو كنت عصفوراً لرحلت مع أول هبّة ريح مع الغمام الهارب من سماء هذا الوطن، مزجياً وقتي بالثرثرة مع كل سحابة تائهة تحاول اللجوء إلى سمائه، محدّثاً إيّاها عن السهول التي أجدبت والعشاق الذين فرقتهم رياح الفقر السوداء، وعن الشعب الذي صار عليه أن ينتظر حلول المواسم ليأكل، ونزول ثياب (الستوك) إلى الأسواق ليستر عريه وعري أبنائه، وصار امتلاكه لسيارة أمراً مزعجاً لمسؤولي حكومته أولئك الذين لا يرفهون عن كلابهم إلا بأخذها نزهة في سياراتهم الفخمة.

لو كنت شارعاً لنفضت كل هذا الشعب المهزوم عن جلدي كما تنفض امرأةٌ من هذا الشرق البائس ثياب الغسيل قبل نشرها، ليتسنّى لي أن أستبدل به شعباً آخر له مخالب بدل الأصابع ومناقير حادة بدل الأفواه التي تنفتح وتنغلق بالشكوى طوال اليوم.

لو كنت قائداً لأرسلت شعبي إلى الموت زُرافاتٍ زُرافات، يتقدمهم حملة الأعلام والرايات وأنا ألوح لهم بالمناديل من وراء أسوار قصري ودموعي تنهمر من عينيّ مختلطة في طريقها بمخاطي الملكي.

لو كنت سبارتاكوس لخضت ثورة العظام الناتئة والوجوه الشبيهة بالمقابر، ولجعلت من جلود الأثرياء ثياباً للفقراء ودفاتر ليكتب عليها أبناؤهم.

ولأنني لست نيرون ولا خائناً ولا بطلاً، وإنما مجرد مواطن درجة ثانية عاطل عن العمل وتعس، وأضرب خيامي كالبدو على حواف الخيال كلما عجزت عن ردّ الضربات التي يوجهها لي مسؤولو هذا البلد، فإنني لا أطلب من الله والحكومة في هذه المرحلة المترنحة التي يمر بها الوطن إلا أن يلقوا لي بأي شيء لأتشبث به حتى لو كان ربطة حذاء مسؤول أو حبل مشنقة!

 

العدد 1105 - 01/5/2024