هل لوردة حمراء أن تُطفئ لهيب قهر النساء

إيمان أحمد ونوس:

يحلُّ الثامن من آذار على نساء سورية بعد سنوات فظيعة ومُضنية من الحرب والقهر والألم.. يحلّ يوم المرأة هذا العام والسوريات ما زلن يحاولن لملمة أشلائهن المبعثرة ما بين الواقع المُفجِع والحياة المريرة بسبب تلك الحرب التي أنهكت تبعاتها المختلفة البشر والحجر، حتى بات البقاء على قيد الحياة فضلاً ومنّة من القدر ومن ساسة الحرب وتُجّارها وحيتانها، ومنّة أكبر من الحكومة التي لم ترتقِ بمهامها بعد إلى ما يقي المواطن ذلَّ الحاجة والقهر والموت.

يعود الثامن من آذار الذي انتظرته نساء سورية بعد بؤس وعذاب كي يكون عيداً حقيقياً يتوّج هاماتهن بالفخر، وصدورهن بالورود الحمراء تعبيراً عن الامتنان لهنّ لما حملنه طيلة سنوات الحرب من أعباء جسام فقط ليبقين ومن معهن على قيد الحياة، ولتبقى سورية قوية بنسائها اللواتي تصدّين لفراغ خلّفه الرجال حين غادروا للقتال، أو حين اختُطفوا أو طالهم الاعتقال أو… الخ، فوقفت المرأة السورية تنافس أعتى الرجال قوة وصبراً في امتهان أعمال كانت حكراً عليهم، وأثبتت جدارتها وحضورها الذي يدحض كل المزاعم والفتاوى والأعراف التي قيّدتها زمناً إلى أسوار الحرملك فقط من أجل سطوة ذكور القبائل.

ولأن المرأة السورية حملت على عاتقها خلال تلك الحرب ما فاق قدراتها وطاقاتها، مثلما فاق المتوّقع منها بعد عمر مديد أو تاريخ طويل من التهميش والإقصاء ومحدودية الأدوار والمهام التي كانت منوطة بها، ولأن تلك المرأة قد أثبتت للجميع بما فيهم ذاتها قدرتها على التصدي لمختلف الظروف الاستثنائية مهما كانت فظّة ومريرة كتلك الحرب العبثية المجنونة، ها هي ذي اليوم لا تقبل العودة إلى ما كانت عليه من تمييز واضطهاد أو تعنيف وإقصاء، بل تريد أن تنخرط في مختلف أشكال الحياة، إضافة إلى متطلباتها ومهامها التقليدية التي تحتاجها وأسرتها كي تعيش بأمان وسلام وكرامة تليق بحضورها الإنساني الحرّ بعد كل ما لاقته وتحمّلته من قهر وحزن. غير أن الواقع الحالي لا يتوافق مع ما قدمته نساء سورية، فالإهمال الحكومي سيّد الموقف من حيث تأمين مستلزمات الحياة الأساسية والضرورية للأسرة السورية، ومن حيث التقدير والاحترام لمواقف النساء اللواتي عزّزن صمود الرجال خلال سنوات الحرب، وحافظن على تماسك الأسرة قدر المُستطاع بكل حب معتّق بالدموع والآهات.

أجل، لم ترتقِ الحكومة إلى مستوى إعطاء تلك المرأة ما تستحقه من تكريم وإجلال، ولو على صعيد انتشالها وأطفالها من قاع العوز والجوع والبرد الذي لم يعشه السوريون منذ عقود.. ولم ترتقِ تلك الحكومة كذلك بتشريعاتها والتعديلات الطارئة على بعضها إلى مستوى يليق بالمرأة السورية التي تصدّت وبشراسة لكل ظروف وتبعات الحرب، فبدل أن تُفتح الأبواب أمامها لتكون شريكاً أساسياً في بناء ما دمّرته الحرب، بقي الإصرار على حشرها في خانة التابع للرجل مهما صغُر شأنه وتواضعت مكانته فقط لإرضاء رجال الدين المُتنفذين الذين لا يريدون لسورية أن تكون بلداً حضارياً متطوراً برجالها ونسائها.

رغم كل هذا، فقد تجاوزت المرأة السورية كل خطوطهم الحمراء المقيّدة لإنسانيتها وأنوثتها وأمومتها طيلة سنوات الحرب وما تبعها، ولم تزل حتى اليوم قابضة على جمر الفقر والجوع والمرض من أجل حياتها وحياة أبنائها رغم كل الوجع والأنين، ورغم التهميش ومحاولات الإقصاء، تبقى شامخة في وجه كل ما يُعيق الحياة، ويُعرقل مسار آمالها في مستقبل خالٍ من الحروب وويلاتها، مستقبل خالٍ من العنف والاضطهاد والتمييز عبر دستور وطني يلتزم جهاراً بالاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل والتي صادقت عليها سورية، دستور يقوم فعلاً على أساس المساواة بين المواطنين (نساءً ورجالاً) ويفسح المجالات رحبة أمام المرأة من أجل المساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعمل على إزالة كل القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع والدولة، ومن أجل مستقبل سورية المدنية العلمانية التي تفتح الآفاق فسيحة أمام نسائها كي ينعمن بالكرامة ويعمّ السلام.

حينئذٍ يمكن للوردة الحمراء أن تكون وساماً يليق بنساء سورية الحديثة.

العدد 1107 - 22/5/2024