دعوة إلى خطوة عملية باتجاه الحوار بين السوريين

محمد علي شعبان:

بعض الأصدقاء والرفاق في الجزيرة السورية، المنتمون إلى قوميات غير عربية، والملتحقون بهم من بعض العشائر العربية، الذين يطمحون ويعملون لتحقيق حلم، يعتبرونه إنجازاً تاريخياً، تساعدهم في تحقيقه مجموعة من الدول، والقوى التي تريد: إعادة تقسيم دول الشرق الأوسط وفق الرؤيا الصهيوأمريكية، ومن يتحالف معها.

قد يكون حلم بعضهم، يعبّر عن حسن نية، لكن البعض الآخر ليس كذلك بالتأكيد، والدول المساندة والداعمة لهم ليست كذلك أيضاً.

يحلمون بتشكيل (إدارة ذاتية)، بمشاركة مجموعات من بعض العشائر والقبائل العربية وبعض أطراف متنوعة من أقليات قومية يسكنون في المحافظات الشرقية في سورية.

يقولون:

إن الإدارة الذاتية هي مطلب لجميع المكونات الموجودة هناك.

لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً. وما يجري من اعتراضات وصراعات، يؤكد صحة تقديري.

إن غالبية أهلنا في المحافظات الشرقية عموماً، وبشكل خاص العشائر العربية، غير راضين عما جرى خلال العشر سنوات الماضية، من انزياحات بالوعي الوطني عند بعض الأطراف الموجودة هناك.

وغير راضين عن التحالفات التي أقامتها الأطراف المشاركة في ما يسمى (مجلس سورية الديمقراطي) وقوات سورية الديمقراطية، من جهة، مع الإدارة الأمريكية من جهة ثانية.

إن غالبية سكان المحافظات الشرقية تواقون لعودة سورية قوية بجميع أبنائها، بغض النظر عن أي انتماء قومي أو ديني، وخاصة بعد معاناتهم الصعبة مع داعش، وبعض الفصائل المتطرفة المتحالفة مع أعداء الدولة السورية.

إن جميع المكونات القومية الموجودة في الجزيرة السورية يعرفون، وخاصة القوميات التي هجرت من تركيا أن الشعب السوري شعب واحد، على اختلاف طوائفه ومذاهبه وقبائله، وعشائره. وأنه كان حضناً دافئاً، وصدراً حنوناً لجميع القوميات التي هجّرت من تركيا قسراً وخوفاً من الموت، بعد المجازر التي ارتكبها بحقهم النظام التركي، وخاصة الأرمن والأكراد منهم.

وقد جُنّس البعض منهم، وأصبحوا مواطنين سوريين يتمتعون بحقوق المواطنة، وبعضهم مضطهد كبقية نظرائهم العرب السوريين، وبعضهم شارك في السلطة وتماهى بها.

قدمت هذا العرض لأقول:

عندما كانت الدولة السورية قوية، اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، لم تكن هناك نزعات انفصالية عند أهلنا الأكراد. لقد كانت مطالبهم ومطالب الطبقات الشعبية من الشعب السوري واحدة، على كامل الجغرافيا السورية.

وكانت غالبية الأحزاب الشيوعية في سورية تضم في داخلها كوادر، وأعضاء من جميع القوميات والطوائف والمذاهب السورية، ولم يكن هنالك أحزاب كردية، أو آشورية، أو أرمنية أو غير ذلك، قبل احتلال بغداد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد تقسيم المقسم، وتجزيء المجزأ، ليس في سورية والعراق فقط، إنما تريد ذلك لجميع دول الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.

إن التناغم الذي حصل من قبل بعض القيادات الكردية، والمتعاطفين معهم من قوميات أخرى، ليس وليد اللحظة وليس ردة فعل مؤقتة.

إن ما حصل ويحصل الآن في أكثر من ساحة، ترغب الإدارة الأمريكية في تفتيتها، هو برنامج مجهز مسبقاً، في غرف صنع القرارات، يعتمد اتجاهين أساسيين في تنفيذ الرغبة الصهيوأمريكية.

الأول: الاتجاه الإسلامي، متمثلاً بالإخوان المسلمين، والوهابية، وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى التي تتلقى التمويل والدعم من أطراف حليفة أو صديقة للولايات المتحدة الأمريكية.

والثاني: الاعتماد على القومية الكردية، باعتبار أن الشعب الكردي موجود في عدة دول في الشرق الأوسط، وجميع هذه الدول مستهدفة من قبل الإدارة الأمريكية بسويات مختلفة.

إن الهدف الأساسي من تقسيم دول الشرق الأوسط وإقامة دويلات هشة وضعيفة، بسمات قومية ومذهبية، وطائفية، تهدف إلى تبييء الكيان الصهيوني، بسماته العنصرية، كي لا يبقى جسماً غريباً بين دول الجوار المتعددة الطوائف والأديان، والمذاهب، المتعايشة تاريخياً.

والمؤسف أن قادة الإدارة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوربي الذين يتشدقون بالديمقراطية ليل نهار، يسعون لقيام دول قومية وطائفية ومذهبية في بلداننا، بدلاً عن ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني، وإجباره على التخلي عن عنصريته، التي شكلت وتشكل بؤرة توتر دائم في الشرق الأوسط، وتثير الفوضى والتعصب في معظم البلدان المجاورة.

بعد هذا العرض أقول للأصدقاء والرفاق في مجلس سورية الديمقراطي: إن الإدارة الأمريكية لن تريدكم حلفاء لها. تريدكم أوراق ضغط تستخدمها في سورية، والعراق، وتركيا، وإيران، متى تشاء. وقد تورطكم بعداء مع دول الجوار لتتمكن من تنفيذ برامجها التقسيمية.

وقد تستخدم بعض العرب في هذه المهمة، التي تهيئ المنطقة لسلسلة من حلقات الحروب الأهلية التي سندفع جميعنا ضريبتها.

إن الدعم الذي تقدمه الإدارة الأمريكية وحلفاؤها، لأهلنا الأكراد والعرب وباقي القوميات في الجزيرة السورية، ليس حباً بهم بالتأكيد، فمنذ أكثر من سبعين عاماً والشعب الفلسطيني يعاني الويلات، ولم تقدم له سوى الوعود، وفي كل يوم تقدم الدعم للكيان الغاصب.

أهلنا في الجزيرة السورية عرباً وأكراداً، أرمناً وكلداناً، آشوريين، وسرياناً، أنتم ونحن في الداخل السوري نشكّل جميعاً النسيج السوري الجميل بتنوعه، وعمقه الحضاري.

سورية وطن لنا جميعاً، تعالوا لنقف صفاً واحداً نعمل معاً لإيجاد مخرج يؤمّن البدء بحوار وطني، تطرح فيه جميع الملفات الهامة، المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وبتوزيع الثروة والمشاركة بالسلطة وتعبئة جميع الطاقات، لمحاربة الإرهاب ومكافحة الفساد.

وأن نعمل معاً على اعتماد مبدأ المواطنة أولوية في حل المسائل العالقة، وإيجاد الحلول الديمقراطية العادلة، واحترام التنوع السوري، والتأكيد على أن الشعب السوري شعب واحد، وتثبيت كل ذلك توافقياً في الدستور، في مؤتمر حوار وطني تشارك فيه كل القوى والتعبيرات السياسية، التي تمثل كل الطيف السوري، وتريد سورية وطناً لجميع أبنائها، دون تمييز عرقي أو قومي أو ديني أو غير ذلك، لنكون جميعاً مواطنين أحراراً متساوين بالحقوق والواجبات.

إن الدولة المركزية القوية وحدها هي التي تستطيع أن تحقق الأمن لمواطنيها، وتحميهم، وتكبر بهم ويكبرون بها، على العكس تماماً من دولة المكونات التي تريدها القوى الاحتلالية الطامعة في سورية، وتعمل على زرع أفكار وثقافات تقسيمية، خدمة لمصالحها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024