المسألة المائية.. هي تحدي قرننا الحالي

يونس صالح:

ساد الاعتقاد، فترة من الوقت، أن الموارد المائية متجددة بطبيعتها وغير قابلة للاستنزاف والنضوب.. وإذا نظرنا إلى العالم من حولنا نلاحظ أن مستوى المياه الجوفية الذي يعتمد عليه الكثير من الأراضي المروية في العالم قد انخفض، حسب تقدير الهيئات المختصة في الأمم المتحدة إلى 25٪، وهذا الأمر يشمل معظم بلدان العالم سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو جمهوريات آسيا الوسطى، أو شمالي الصين، أو البلدان العربية، حيث ظهرت مؤشرات الجفاف.

كما أننا نلحظ المجاعات الرهيبة التي تعرضت لها عدة بلدان إفريقية عانت من القحط عدة سنوات نتيجة النقص في هطول الأمطار، الذي يرجعه بعض العلماء إلى الاضطرابات في التوازن البيئي الناتجة عن آثار التقنية العصرية التي أدت إلى تلوث طبقة الأوزون، واختفاء الغابات، وتآكل الأنساق البيئة التي تستند إليها مقومات الحياة.

وفي الواقع إن الموارد المائية محدودة وتتناقص، شأنها شأن الموارد الطبيعية الأخرى، كما أن القضية لم تعد تقتصر على تقلص هذه الموارد الطبيعية الأخرى، بل امتدت إلى تدهور نوعيتها وتلوثها لأسباب كثيرة، لدرجة أن التنبؤات تشير إلى أن 25٪ من الموارد المائية التي يعتمد عليها- على مستوى العالم- ستكون مياهاً غير آمنة بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين.

ومن هنا تزايد الإحساس بأن الاقتصاد في استخدام المياه في كل الأغراض، أصبح ضرورة قصوى، ليس فقط بسبب شح الموارد المائية وتضاؤلها، بل أيضاً نتيجة الانفجار السكاني الهائل، مما أدى إلى تزايد الاهتمام والتفكير الجدي بمستقبل المياه، ومستقبل الغذاء، ومستقبل هذا الكائن الممتاز.

وتتسم البلدان العربية بأن الجزء الأكبر من أراضيها يقع في المنطقة الجافة وشبه الجافة من العالم، وما ينجم عن ذلك من ندرة في موارده المائية. وتشير دراسة أعدتها الأمم المتحدة في أوائل القرن الحادي والعشرين إلى أن الموارد المائية المتجددة في البلدان العربية تقدر بنحو 0٫74٪ من الموارد المائية على المستوى العالمي، علماً بأن البلدان العربية تشغل مساحة 14 مليون كم 2، أي حوالي 9٪ من مساحة اليابسة، وأن معظم البلدان العربية تقترب من حالة عدم التوازن بين حجم الموارد المائية المتاحة والطلب عليها، وأن هناك بوادر أزمة مائية، وعجزاً مائياً، قد ظهرت بوادره منذ بداية هذا القرن.

ومن هنا لا يمكن نفي إمكانية نشوب صراعات مستقبلاً، نتيجة التنافس والنزاع حول الموارد المائية في منطقتنا، خلال هذا القرن، وخاصة بين الدول التي تتشارك في نظام مائي واحد، وهي متعددة.

فمن ناحية، من الممكن أن تشهد دول حوض النيل نقصاً حرجاً وخطيراً في الماء، بسبب النمو السكاني، إضافة إلى عدد من العوامل، وأهمها ظاهرة الجفاف في منطقة تجمع الأمطار، مما سيؤدي إلى تناقص المياه اللازمة للزراعة، وأغراض الحياة الأخرى. كما أن هذا الأمر يتطلب عملية تعاون بين الأطراف المشاركة في هذا الحوض، وسوف يكون ذلك ضرورياً وحافزاً لتوظيف مياه النهر بأسلوب أكثر ترشيداً، إلا أن ما نلمحه الآن هو تصعيد خطير بين هذه الدول المشتركة في حوض النيل، لأسباب عديدة يجري استغلالها لتسعير الخلافات، وتوتير الأوضاع بين الدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا، لغايات سياسية لا تخفى أبعادها.

كذلك، فإن حوض نهر الأردن يوفر المياه لكل من سورية والأردن وفلسطين المحتلة، وهناك خطط لاستغلال نهر اليرموك- الرافد الوحيد لنهر الأردن (عن طريق سد الوحدة على الحدود الأردنية السورية) لمواجهة الاحتياجات المتزايدة للمياه، كما أن موقف (إسرائيل) تجاه المستقبل السياسي للضفة الغربية والجولان، يرجع جزئياً إلى العامل المائي بالدرجة الأولى.

أما بالنسبة لنهري دجلة والفرات، فهناك عدة مشاكل، أولها هي تلوث هذا المياه، وتعد أكثر خطراً من نقصان مواردها، وثانياً الابتزاز التركي لسورية والعراق، ورفض الجانب التركي التوقيع على الوثائق التي تحدد حصص كل من الدول الثلاثة بمياه النهرين، وثالثاً إقامة السدود على النهرين، وحجز كميات كبيرة من مياههما، مما ينعكس سلباً على الموارد المائية لكلا البلدين سورية والعراق.

أخيراً لا شك أن تناقص عطاء الموارد المائية في منطقتنا في مرحلة تخطط فيها غالبية الدول للتوسع إلى أكبر حد ممكن في الزراعة، واستصلاح الأراضي لمواجهة المتوالية الهندسية للزيادة السكانية، من شأنه أن يجعل أخطر أزمات اليوم والغد في هذه المنطق تتركز في كيفية تدبير الاحتياجات اللازمة والحيوية من الماء العذب.

 

العدد 1102 - 03/4/2024