الموسيقي السوري العالمي د. كمال بلان يرحل بصمت صاخب في موسكو

السويداء – معين حمد العماطوري:

رحل الدكتور المهندس كمال بلان بهدوء وصمت صاخب، بعد أن قدم أعمالاً فنية وموسيقية تركت في الساحة الثقافية الإبداعية علامة فارقة، فقد حمل ما حمله الأبطال والمجاهدون من أعباء الحياة وشق طريقه نحو روسيا، وصعد على خشبة مسارحها وعزف في قاعاتها الفنية أعماله التي نال عليها الجوائز العالمية، وهو يرفع علمه السوري في كل عمل يقوم به.

بعد أن كون ما أراد للنهوض بنفسه استطاع أن ينشر إبداعه الفني والموسيقي، فلم يكتف بالاستعراضات الاوبراتاتية والاسكتشات، بل بدأ بتأليف ألحان شعبية وعلى أنغام آلة العود الشرقية، ولعلنا هنا نقف عند مرحلة مختلفة بحياته، فآلة العود التي كادت أن تصبح واحدة من آلات التحف التاريخية والتراثية لولا الموسيقار الخالد فريد الأطرش الذي أخرجها من رفوف المتاحف وجعلها آلة قائدة في أوركسترا كما في أغانيه (حكاية غرامي) وبدأ في عيد شم النسيم يستهل أغانيه (الربيع) و(أول همسة) بمعزوفته المنفردة مشهورة على العود. وبالتالي كون من تلك الآلة حالة إبداعية تحاكي الضمائر وتنشر ثقافة البيئة، ولكن في بيئة شرقية أي في مصر التي قدمت للفن سيد درويش والقصبجي والسنباطي وزكريا أحمد وعبد الوهاب وعبدو الحمولي ومحمود صبح.

وبالعودة إلى الراحل الكبير كمال بلان فإننا نجد أنه استطاع أن يجعل من آلة العود آلة قائدة بين آلات الروس وفي قاعاتهم ومسارحهم، وواكب ألحانهم وجعل آلاتهم تعزف ألحانه الشرقية ولعمري فهو من أخرجها أيضاً من البيئة المحلية الإبداعية الشرقية إلى العالمية الروسية.. وربما ساهم مع فريد الأطرش في إغناء محتوى هذه الآلة الشرقية دلالة الانتماء لها ولوطنه.

إضافة إلى أن د. كمال بلان نال العديد من الجوائز الإبداعية في الألحان الروسية وغنت من تأليفه مغنيات روسيات كثيرات. وربما القيمة المضافة التي قدمها في سكون صاخب أنه قدم جميع إبداعاته بزيه الشرقي ولباسه الشامي والجبلي التراثي التاريخي مؤكداً أصالته وعروبته وانتماءه، وقدم أغاني وطنية لوطنه الأم سورية في ظل ما تعيشه البلاد من هجوم معولم لاستهداف الهوية الوطنية: استكشات وطنية على مسارح روسيا العالمية وبمشاركة الدول الأجنبية الكبرى، معلناً موقفه مع وطنه وبلده الأم سورية.

لقد عرفت الراحل د. كمال بلان لسنوات عبر وسائل الاتصال الالكترونية حتى جاء إلى  السويداء بزيارة صيفية، وكنت وإياه جالسين جنبا إلى  جنب في مسرح التربية نتابع فعاليات مسابقة العزف على آلة العود فقد قدم أحد المتسابقين وأظن أنه الشاب نوار جابر لونغا غير مسموعة ومتداولة، فقلت له يا صديقي هذه اللونغا مميزة وغير مسموعة، فالتفت إلي وقال أكيد أنت معين العماطوري صاحب كتاب فهد بلان الفنان الإنسان! قلت له نعم، وبدأ يعبر عن توقه للقاء بيننا وأنا كذلك، وبدأت رحلة واقعية فنية بيننا نتبادل بها المعلومات الموسيقية والأفكار وأرسل لي من موسكو هدية لن أنساها ما حييت. ولعمري المفاجأة أن ميلاده في السابع عشر من نيسان كان يوم وفاته باختلاف سنة الميلاد 1953.

الرحمة لروحك أيها الموسيقي النبيل الحامل معك عبق ياسمين الفيحاء وسنديانات الجبل، وكنت المبدع الواقعي الذي نلت الجائزة الأفضل بمشاركة ثلاثين ألف مشارك من سبعين دولة أجنبية وباللغة الروسية وهي جائزة (الريشة الذهبية الروسية) التي يقيمها سنويا اتحاد الكتاب العالمي، جائزة (دبلوم شكسبير للإبداع عالي المستوى)، عدا تأليفك مقطوعات موسيقية وكنشورتات إبداعية وألحاناً غنائية باللغات الأجنبية كانت مطابقة لإبداعك الشعري.

رحلت وأنت تحمل في داخلك مشاريع إبداعية سنفتقد لابتسامتك وصلابة إرادتك وجمال انتمائك الوطني.

العدد 1104 - 24/4/2024