يرجى القراءة!

د. أحمد ديركي:

في عالم تتوفر فيه معظم (الرفاهيات) التي يسعى إليها الإنسان، ويعتمد مدى الحصول على كمية من (الرفاهيات) على الواقع المادي للساعي إليها. ومن ضمن هذه (الرفاهيات) الهواتف الخلوية، الكومبيوترات، وتوابعها، الإنترنيت، وسائل النقل المريحة، طبعاً ليست متوفرة للجميع، الكهرباء والأدوات الكهربائية ومنها لتلطيف أجواء المنزل ولتوفير الجو المريح، طبعاً إن توفرت الكهرباء…. في هذا العالم المتزايد (الرفاهية) يوماً بعد يوم يوجد شيء ينعدم يوماً بعد يوم! الأشياء التي تنحر يوماً بعد يوم متعددة ومتنوعة، سوف نحاول القيام بمقاربة أولية لجزء من واحدة منها.

سواء كان الحديث اعتيادياً، تناول مسألة الغلاء أو الرخص أو الزواج أو الطلاق أو زحمة السير ومسبباتها أو شرب فنجان قهوة بسكّر أو بلا سكر… أو كان الحديث أكثر عمقاً في تناول كل هذه المسائل، والمقصود هنا بالأكثر عمقاً مقاربتها بشكل علمي، يمكن لحظ أمر ما في كلا الحالين.

الأمر الملحوظ هو مدى ارتفاع مستوى (الأمية)، و(الأمية) هنا لا تعني عدم إجادة القراءة والكتابة بل تعني ضحالة المعرفة وسطحيتها، في المسألة التي يدور الحديث حولها.

جزء من ضحالة المعرفة وسطحيتها يعود سببه إلى ما يُنحر يومياً، وتحول خط سير تاريخ البشرية ليصبح الإنسان (حيواناً اقتصادياً)، كما يصنفه البعض لتمييزه عن الحيوان.

إشكالية تمييز الإنسان لجنسه عن بقية المخلوقات الموجودة على سطح الكرة الأرضية إشكالية قديمة – جديدة، فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الباحث فيها، ويذهب أكثر عمقاً في هذه الإشكالية للبحث عن تفرعاتها، وصولاً إلى حد البحث في (الأعراق)، وكيف يمكن لعرق أن يتميز عن عرق آخر! وإن كانت هذه الإشكالية يندر ذكرها في الأحاديث العامة، ولكن يكثر ذكرها من دون إدراك المتحدثين لها، والأمثلة على هذا كثيرة لا تعد ولا تحصى!

الفرضية المطروحة: جزء من عدم الادراك يعود إلى ضحالة المعرفة وسطحيتها. والضحالة والسطحية كما يبدو مسألة ممنهجة تكرس يوماً بعد يوم ويُعمل على تعديلها بشكل دائم كي تواكب (العصر) ومستلزماته (الاقتصادية).

وقد بُنيت الفرضية على المعطى التالي: عند الحديث عن أي مفكر يمكن لحظ كثرة الأقاويل حول أفكاره ومدى انطباقها على الواقع أو عدم انطباقها، وكيف أخطأ أو أصاب في مقارباته لمسألة محددة او عامة، والمدهش في الأمر عند التعمق قليلاً في مقاربة هذا المفكر أو ذاك يمكن لحظ أن معظم المتحدثين يلزمون الصمت أو يتفوهون بأفكارهم وكأنها أفكار هذا المفكر، وتستهل حفلة تشويه الفكر والمعرفة اعتماداً على  قاعدة (قيل عن قال) من دون أن يكون أحدهم قد قرأ كتب هذا المفكر، أو بالحد الأدنى جزءاً من كتبه أو على الأقل كتاباً من كتبه!

ولأننا نعيش في عالم (الرفاهيات)، ونحظى بجزء يسير منها، فهل لنا أن نقرأ ما كتبه هذا المفكر أو ذاك ونكف عن النقاش اعتماداً على قاعدة (قيل عن قال)؟ وإن لم نملك الوقت للقراءة، لأننا (حيوان اقتصادي)، فيرجى قراءة البعض من أمهات الكتب الاقتصادية كي نعرف ما الذي يميز جنسنا عن بقية الكائنات الحية الأخرى وألا نكتفي بـ(قيل عن قال)، لأننا بهذه الطريقة نجتزئ جزءاً من الجزء ونبقى في دوامة الاجتزاء وهي الدوامة الموضوعين فيها من قِبل من يريد لنا أن نبقى فيها!

العدد 1104 - 24/4/2024