فيل أزرق مجنح وأخطبوط
د. أحمد ديركي:
فيل أزرق جميل بجناحين يحلّق عالياً في السماء، ولكنه في مرمى النظر. يبتسم ناشراً الفرح فوق كل من يحلق فوقهم أو يمكنهم رؤيته، لتغمر السعادة قلوبهم. أخطبوط أسود يفرد ذراعيه بعيون جاحظة وفاه مفتوح يبتلع جبلاً. مسكين الفيل الأزرق لقد ابتلعه الأخطبوط!
من الجميل التخيّل، ولكن مهما كان نوع التخيل أو الحلم فهو من صنع الواقع ولكنه معدّل. فالحلم، سواء جميلاً أو كابوساً، لا يخرج من نطاق الواقع. فهل من إنسان على سطح الأرض يمكنه أن يحلم بشيء لا يمتّ إلى الواقع بشيء، مهما كانت التشوهات التي يمكن تصيب الواقع خلال الحلم (الجميل)، أو الكابوس. أما خلال فترة ما يُعرف بـ(اليقظة)، فيمكن للإنسان أن يحلم، وتعرف هذه الأحلام بـ(أحلام اليقظة). وأحلام اليقظة قد تساوي في بعض الأحيان حالة الحلم خلال النوم. وفي الوقت عينه مهما كانت (الكذبة) صغيرة أو كبيرة فهي عملية تشويه للواقع، أي إعطاؤه صورة لا حقيقية.
ما بين الحلم، وأحلام اليقظة، والكذب حلقاتُ وصل مترابطة متشابكة قاعدتها الواقع. ولكن يبقى السؤال لماذا يشوه الإنسان الواقع؟ سؤال بسيط الشكل معقّد المضمون لا يمكن الإجابة عنه، حالياً، لتشابكه وتعقيداته.
ولكن يمكن القول، في أحد أبعاد الإجابة، يعود السبب إلى تشويه الوعي المتبع من قبل البناء الفوقي لتبرير الاستغلال الطبقي الواقع على كل البناء التحتي.
فعلى سبيل المثال في ظل الواقع المميت لكل آمال وطموحات الطبقة العاملة بكل تفرعاتها، كي يبتسم الرأسماليون وحلفاؤهم، تموت كل يوم بوسائل متعددة ولكنها لا تموت فعلياً بل مجازاً، وهذا نوع من الخيال. وفي الوقت عينه تعيش الطبقة البرجوازية وحلفاؤها بنعيم الاستغلال الطبقي موهمة الطبقة العاملة أن ما تعانيه يعود لأسباب خارجة عن سيطرة الرأسماليين وحلفائهم. وهم يعملون ما في وسعهم لإنقاذ الوضع (الاقتصادي) وتحسين الأوضاع ولكن ذاك (الملعون المجهول المعلوم) يحكم خناقه على (الفيل الأزرق المجنّح)، ولذا على كل الطبقة العاملة الداعمة للفيل الأزرق المجنح أن تصمد وتتحد في الدفاع عنه، حتى لو جاعت أو بدأت بالموت من الجوع، أو أكلت من النفايات التي ألقاها من أصيب بالتخمة أو…
للأسف، الأخطبوط الأسود يلتهم (الفيل الأزرق المجنح) ومازالوا يتحدثون عن التوحد ضد الأخطبوط لمنعه من أكل (الفيل الأزرق المجنح)!
ولكن يبدو أن هؤلاء الكذبة لا يعون أن الأخطبوط الأسود كلما زاد وحشية في محاولات افتراسه للـ(فيل الأزرق المجنح)، أثبت مسار التاريخ أن (الفيل الأزرق المجنح) هو صانع التاريخ و(حفار قبر) الأخطبوط الأسود. حينئذٍ، الرجاء عدم طلب الرحمة بالأخطبوط، بكل تفرعات أذرعته، أو إيجاد تبريرات من عالم الأحلام للرأفة به!