الإرهاب وكيفية محاربته

محمد الزبيدي:

 انتشرت الظاهرة الأصولية الإرهابية بشكل واسع في أنحاء متفرقة من العالم، وبضمنها أكثر الدول تقدماً من الناحية العلمية والحضارية. وقد أخذت هذه الظاهرة أوجهاً مختلفة، ولم تعد تتحدد في إطار فكري معين، وأَدخَلت دول العالم وشعوبه، ومن ضمنها على وجه الخصوص منطقتنا وبلادنا، في صراعات نتجت عنها أحداث دامية وهي لا تزال باقية إلى الآن.

 وكما هو معلوم، فإن هذا الفكر الأصولي الإرهابي، يلغي العقل تماماً، ويحتكر الحقيقة لنفسه، ويشعر بأن الذين يختلفون معه يشكلون خطراً عليه. ويعملون على محاربته والقضاء عليه. لا يمكن أن يتعايش مع الآخرين على أسس من الاحترام المتبادل والتكافؤ، بل يريد فرض أفكاره عليهم حتى ولو بطريق القوة. إن كل ذلك يشكل، دون شك، تراجعاً عن القيم التي قامت عليها الحضارة المدنية الحديثة المبنية على الحرية واحترام الإنسان وحقوقه والتفكير العلمي والعقلاني، والتعددية الفكرية والثقافية، وإلغاء كل أشكال التسلط على الإنسان والمجتمع، وإشاعة قيم التسامح والاختلاف.

 إن خطر الظاهرة الأصولية الإرهابية، لم يقتصر على هذه القوى فقط، بل أصبحت هناك حكومات ودول تهدد القيم والمبادئ الإنسانية والمدنية الحديثة التي تم ذكرها.

 إن منبع هذا الفكر التكفيري الإرهابي، تضرب جذوره عميقاً في التاريخ العربي الإسلامي، ولقد بدأت مع بدء استخدام الدين لأغراض سياسية، ومن منا لا يعرف الاضطهادات الواسعة التي تعرض لها المفكرون العقلانيون القدماء باسم الدين. لقد جرى استخدام الدين لتبرير اضطهاد النخب الواعية المحتجة على سلوك الحكام الذي كان يتعارض، من حيث الجوهر، مع بساطة الحياة التي كانت سائدة في صدر الإسلام.

 لا نستطيع إلا أن نقف ونحن نرتجف، من أشكال العقوبات التي كانت تصيب أولئك المفكرين القدماء الذين كانوا يستنكرون الظلم الاجتماعي والسياسي، وكانوا يدعون إلى العدالة. قلائل هم المفكرون الذين نجوا من اضطهاد السلطات الحاكمة عبر التاريخ الإسلامي المديد.

بيد أن هذه الظاهرة أيضاً، لا تزال تستخدم إلى وقتنا الحاضر من أجل محاربة العقل. إنها تستخدم من قبل بعض الأنظمة لإعاقة التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، هذا التطور الذي يملك طابعاً تحررياً، والذي لا يمكن إيقافه.. فهو حتمي. إلا أنه أيضاً يستخدم من قبل القوى الخارجية الاستعمارية الجديدة التي تبغي الحفاظ على نهب موارد الشعوب، وبالأخص شعوب منطقتنا، وتخليد هذا النهب. ومن هنا، كما أشرنا، تنبثق الخطورة الكبيرة في هذا الفكر الأصولي، بيد أن السؤال الذي يجب طرحه هو: ما الطريقة التي يمكن أن تتحقق فيها المجابهة الناحجة لمثل ذلك الخطر؟ وما يهمنا، نحن بالدرجة الأولى، هي سورية.. بلادنا العزيزة التي كانت تزدهر فيها، على الدوام، أفكار التعايش والتنوع بين مختلف أطياف مجتمعنا، نرى الآن هذه الأفكار تتراجع إلى الوراء، لتحل محلها أفكار التعصب والإلغاء والنفي وغير ذلك.. وبالتالي، فإن مهمة التصدي لهذا التيار، هي مهمة وطنية من الدرجة الأولى.. هي مهمة مجتمعية وسياسية وفكرية، تقع على عاتق المجتمع، وتقع على عاتق الحكومة أيضاً. ولكن هذا التصدي، لا يمكن له أن يتحقق بوسائل إرادوية، بل إن التصدي يجب أن يتم من خلال إحداث تغيير عميق في العقلية الفكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية. إن التصدي لهذا الاتجاه الخطر، يتطلب توجهاً يهدف إلى توحيد صفوف قوى الشعب الحيَة لمجابهته، واتخاذ نهج يعكس مصالح الأغلبية الساحقة من شعبنا، ويقضي على التهميش الذي تعيشه هذه القطاعات الواسعة. وباعتقادي.. يقتضي أيضاً، لتأمين الظروف الضرورية لهذا التلاحم الشعبي، وأهمها: التنوع.. وقبول الرأي الآخر.. والابتعاد عن الأحادية حيث توسيع هامش الحريات وتطبيق المعايير الحضارية التي يُجمع عليها العالم، والابتعاد عن الوعظية والتعليمية.. والصدق مع المواطنين، والمصداقية أيضاً.. والعمل من أجل تأمين كل المستلزمات الضرورية لتحقيق ذلك. بيد أنه من الواضح أن هذه المجابهة لهذا الفكر، لم تصل إلى هذا المستوى، ولا تزال تقتصر، من حيث الجوهر، على الأعمال العسكرية بالدرجة الأولى، وهي غير كافية لتحقيق هذه الغاية.

 إن محاربة هذا التيار الفكري التكفيري، تتم من خلال فكر آخر مختلف يعكس، بصدق، متطلبات التطور التي يحتاجها مجتمعنا الحالي لكي يدخل إلى قلب الحضارة العالمية، ولكي يصبح مساهماً فيها.

العدد 1102 - 03/4/2024