البُعد الاحتلالي للحديث عن المنطقة الآمنة!

 د. صياح عزام:

هذيان أردوغان بما يسميها (المنطقة الآمنة) لم يتوقف رغم الضغوط عليه والإدانات الدولية الواسعة لممارساته، ولم يأبه لوصفه بـ(الأحمق) من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولا يتردد في التطرق إلى هذه المنطقة وإصراره على إقامتها، وهو في الحقيقة يتمسك بها لسببين رئيسيين:

أولهما: عزمه على إسكان مليوني لاجئ سوري فيها من الإرهابيين الموالين له بحيث يتم تغيير الديموغرافية السكانية في شمال شرق سورية.

والثاني: احتلال المناطق الغنية بالنفط والغاز وزراعة القمح.

وهذا ما يذكر بتصريحاته في 28 أيلول عام 2016 التي أعاد التذكير فيها باتفاقية لوزان لعام 1923 والغمز من قناتها بقوله: (البعض يعتبرها انتصاراً، أين الانتصار فيها؟)، وهذه الاتفاقية، كما هو معروف، أبطلت (معاهدة سيفر) لعام 1920 التي صاغت حدود تركيا الحالية وأكسبتها احتلال أكثر من 180 ألف كم2 من الأراضي السورية.

بالطبع، إن استذكار أردوغان هذا الاتفاق (لوزان) يؤكد أطماع أردوغان ومساعيه لاحتلال أراضٍ سورية جديدة، كما جاء في الخريطة التي نشرتها صحيفة (ديليليش) التركية الموالية له، وتضم الخريطة المزيفة تحت عنوان (هل هذه الأراضي مقتطعة من تركيا)، كركوك والموصل وأربيل وحلب وإدلب والحسكة، وتذّكر بالقسم الوطني (ملي ميساك)، وهو اتفاق أقره البرلمان العثماني عام 1920، ويدعي أن هذه الأراضي تركية.

وبناء على ذلك، يظهر البعد الاحتلالي للحديث عن المنطقة الآمنة والذي تزامن مع ثلاثة أحداث:

  • تمديد البرلمان التركي في 8/10/2019 العمل بمذكرة تفويض الجيش التركي القيام بعمليات عسكرية لسنة إضافية في الأراضي السورية.
  • إعلان أردوغان عن عزمه إعادة اللاجئين السوريين إلى تلك المناطق وإسكانهم فيها رغم أنهم من سكان محافظات أخرى وليسوا من سكانها الأصليين، وذلك لتغيير البنية الديموغرافية من جهة، وخلق فتنة عربية كردية دائمة من جهة أخرى.
  • تعيين أنقرة لـ(محمد سعيد سليمان) وهو كردي عميل لها وزيراً للإدارة المحلية ليتولى مهام إدارة المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها.

وهكذا يمكن القول إن العدوان التركي الأخير على سورية تحت اسم (نبع السلام) جلب معه للجانب التركي تحديات لم تكن في الحسبان، منها: التفاهم بين (قسد) والجيش العربي السوري الذي أنقذ الأكراد من مذبحة حقيقية كان أردوغان يبيتها لهم، وأدى في الوقت نفسه إلى دخول القوات السورية إلى الأراضي التي كانت تسيطر عليها (قسد) وصولاً إلى الحدود مع تركيا، والتحدي الآخر، هو العزلة التي أصبحت تعاني منها أنقرة، وبالتالي تحولت عملية أردوغان من نزهة – كما كان يحلم- إلى مستنقع للجيش التركي الذي أسماه (الجيش المحمدي)، وبالتالي فإن العملية التي بدأت بضوء أخضر أمريكي تشبه عملية صدام حسين عندما ورطته الولايات المتحدة بشن الحرب على الكويت.

وأخذت الأصوات ترتفع في الداخل التركي احتجاجاً على هذا الغزو لسورية، فقد صرح أحمد داود أوغلو (وزير الخارجية التركي السابق، ولاحقاً رئيس الوزراء)، صرح في تغريدة له قائلاً: (إن العملية العسكرية يجب أن تتوقف، وعلى تركيا التحاور مع جميع الأطراف السورية)، وهذا يعني التحاور مع الدولة السورية.

وما لم يتراجع أردوغان عن عدوانه ويسحب قواته من سورية، سيكون مصيره أشبه بمصير الدولة العثمانية عشية انهيارها عام 1918، أما إذا أصر على مواصلة العدوان، فمعنى ذلك أنه يكابر بانتظار حل يحفظ له ماء الوجه، وسيكون آجلاً أم عاجلاً مضطراً للتفاهم مع الدولة السورية بإشراف روسي. وفيما يتعلق باتفاقه الغامض مع الإدارة الأمريكية بعد مباحثاته مع نائب الرئيس الأمريكي بنس ووزير خارجيته بومبيو، فرغم أنه يثير الشكوك حوله فهو لا يشكل مخرجاً آمناً لأردوغان رغم أنه كان بحاجة إليه لتفادي العقوبات الأمريكية كما كان ترامب بحاجه إليه لتفادي المواجهات مع مجلسي النواب والشيوخ ومؤسسات الدولة العميقة.

على أيّ حال من الواضح أن أردوغان سيدفع ثمن مكابرته وعدوانه وعنجهيته.

 

 

العدد 1104 - 24/4/2024