بالفم الملآن: كيـف.. ولماذا؟!
عباس حيروقة:
تُطَالعنا عناوينُ شتّى هنا وهناك، لمقالات وأبحاث ودراسات وندوات تلفزيونية وإذاعية وربما لإصدارات أيضاً، تتناول المشهد الثقافي عامة وحال المثقف خاصة
( دور المثقف في الحرب التي شنّت على بلدنا – مهام المثقف ودوره في التغيير – المثقف والتنوير – المثقف والسبع العجاف – نحو مثقف معافى – المثقف والسلطة – الثقافي والسياسي – المثقف وإعادة الإعمار …الخ). منها ما يأخذ الطابع الاستعراضي التخييلي التنظيري الممعن في الرومنسية والشعرية معتمدين في بعضها على العبارات الرنانة المنجزة والمقولبة ذات الطابع الشعاراتي وما شابه ذلك، مبتعدين كل البعد عن الحقائق الموضوعية التي من شأنها رسم صورة حقيقية لمجتمع أكثر وعياً وانتماء للخير وللجمال.
ومنها ما يأخذ أو ينحو منحى بطابع نقدي جاد وحيوي فعال، وذلك من خلال الاشتغال على تقديم قراءات منطقية تقارب من خلالها حال المثقف الحقيقي بكل جوانبه وجوارحه، منطلقين أيضاً من قراءات نقدية حقيقية وفق منهج حيوي لحالات مجتمعية بمراحل زمنية عدّة.
ودون الخوض في المفاهيم والمصطلحات والتعريفات المعجمية والأكاديمية والمعرفية المتراكمة والمتعددة الدلالة للثقافة ومكوناتها، أو للمثقف بكل أطيافه وانتماءاته، وما اُتّفق على تسميته مثقفاً عضوياً، سلطوياً، فعالاً …الخ، ولكن ما يمكن الإشارة إليه هنا أن المثقف هو الإنسان الفطن الحذق صاحب المعرفة. فالثقافة لها مالها من أدوار في تنمية الملكات العقلية والطاقات الروحية والنفسية، والارتقاء بالحس والذوق العام، وبالقدرة على النهوض بالمجتمع والمحافظة على خصوصيته وتمايزه، وبناء أو تعزيز بناء الإنسان الحرّ المتطلع لعالم أكثر عدلاً وجمالاً وأقل قبحاً وخراباً ودماراً.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تناول أي مشهد ثقافي بالقراءة والنقد بمعزل عن قراءة حال المجتمع السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.
لو عدنا بذاكرتنا القصيرة_ وأقول هنا القصيرة قياساً مع الحراك الزمكاني للشعوب_ لوعدنا بذاكرتنا إلى مرحلة الخمسينيات والستينيات وحتى سبعينيات القرن الماضي، لوجدنا آنذاك أن ثمة حراكاً مجتمعياً سياسياً ودينياً واقتصادياً وثقافياً أكثر نضوجاً وحيويةً ورُقيّاً مما نحن عليه اليوم. فلننظر مثلاً إلى عدد الأحزاب، عدد الصحف، وعدد النسخ التي يتم طباعتها وتوزيعها، حيوية الإصدارات الصادرة عن دور نشر خاصة وعامة ونوعيتها، وعدد النسخ من المؤلفات أو الدوريات، رغم الفارق الكبير بين عدد السكان آنذاك وعدد السكان اليوم.
عدد الملتقيات والمنظمات والمؤسسات الأهلية والرسمية وحراكها المنقطع النظير، لباس المرأة السورية المتزن (لا هو مغرق في التعري ولا في التعصب والانغلاق) الذي يعكس وعيا وانفتاحاً، حال المثقف والمتعلّم حامل الشهادات العلمية والنظرة إليهما، حركة السوق الاقتصادية، حال الفلاح والموظف والمدارس والجامعات، سعر الدولار …الخ.
حيوية تقبُّل الآخر، هامش الحريات، مفهوم الإبداع، نظرة السياسي إلى الثقافي، نظرة المجتمع إلى الثقافي، نظرة الثقافي إلى نفسه وإلى نظيره …الخ.
الأسئلة التي تطرح نفسها دائماً وبقوة، ونحن نقف قبالة هذا الخراب الذي أصابنا نحن كسوريين: كيف؟ ولماذا؟!
ونحن أبناء الينابيع والأنهار، أبناء حقول القمح والموسيقا، أبناء البحار والسفن الفينيقية، أبناء أوغاريت وكنعان، كيف ولماذا ونحن سلالة رعد وبرق ومطر؟!
كيف حدث ما حدث ولماذا؟؟!!
هي ذي الأسئلة الأهم التي يجب أن نكون أكثر جرأة في طرحها وبالفم الملآن:
كيف؟ ولماذا؟!