الدولار يقفز.. ما العمل؟

كتب المحرر الاقتصادي:

جماهير الشعب السوري المكتوية بنيران ارتفاع أسعار جميع المواد، بسبب تداعيات الأزمة والحصار وارتفاع أسعار القطع الأجنبي، وبطء المعالجات الحكومية لتشجيع المنتجين، ملّت الشكوى، وها هو الأخضر(اللعين) يتجاوز اليوم عتبة 600 ليرة سورية ارتفاعاً من 560 ليرة خلال أسبوعين، والله وحده يعلم مدى الانعكاس الذي سيتركه على أسعار جميع المواد، في زمن يجاهد فيه المواطن السوري من أجل تأمين الخبز وبعض الدواء.

وحتى إذا تدحرج الأخضر المتعالي في الأسواق البيضاء والسوداء لسبب لا علاقة للحكومة به، فإن أسعار البطاطا وعلبة السجائر وقطعة اللحم وحبة البندورة، تبقى في العلالي، غير عابئة بتفسيرات البنك المركزي ومسؤوليه، إذ يستأثر (حرامية) السوق بمفتاح رفع سعر الدولار.. وتخفيضه حسب مصالحهم.

منذ بداية الأزمة السورية والغزو الإرهابي وتداعياتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات والمتحدة والاتحاد الأوربي على بلادنا، كنا- وكان غيرنا أيضاً- ندلي بدلونا في سبيل تحصين بلادنا من الداخل، من باب الاقتصاد، وانعكاساته على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية لجماهير الشعب السوري، واضعين أمام أعيننا حقيقة أثبتتها الحروب والأزمات في التاريخ قديماً وحديثاً، وهي أن ما لم يحققه العدو بالعدوان الخارجي المسلح، يجب ألا يحققه من خلال استغلاله، في الداخل، لأخطاء السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تؤثر على صمود الشعب، الذي يُعد بجميع المقاييس عامل الصمود الأساسي في الحروب والنزاعات المسلحة.

وللحقيقة نقول هنا: إن الاقتراحات والمساهمات المتنوعة التي ساهم بها خبراء الاقتصاد السوري لتحقيق هذه الغاية، كانت تجد في بعض الأحيان صدى إيجابياً في الأوساط الحكومية، لكن مسألة واحدة كانت عصية على التفاهم المشترك بين الاقتصاديين والحكومة، وهي مشكلة تراجع قيمة الليرة السورية مقابل القطع الأجنبي، وبروز مشكلة ارتفاع سعر الدولار إلى أرقام قياسية، ومدى انعكاس هذا الارتفاع على زيادة أسعار المواد الأساسية والخدمات، وتراجع الأجور الحقيقية، وظهور (تماسيح) المضاربة في الأسواق السوداء، والمعاناة الشديدة التي كابدتها جماهير الشعب السوري.

لقد تبيّن في سنوات الأزمة أن الحكومات تركت الأمر لإدارة المصرف المركزي، ورغم الانتقادات اللاذعة التي وُجِّهت لهذه المعالجة، خاصة بعد صعود سعر الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، والتي أظهرت خطأ السياسات المتبعة من قبل مسؤولي المصرف المركزي، كانت الحكومات تسمع فقط دون أن تتدخل في تصحيح هذه السياسات.

 إن معالجة ارتفاع سعر القطع الأجنبي لا تتحقق فقط بالتدخل في سوق الصرف بالوسائل النقدية فقط، بل بالعمل على إنهاض قطاعات الإنتاج الصناعية والزراعية، وعودة عجلة الإنتاج إلى الدوران، وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق زيادة الأجور، بهدف تشجيع الاستهلاك، فهي التي تضمن قوة الليرة أمام العملات الأخرى.

 شجِّعوا المشاريع الصغيرة والعائلية والورش الصناعية، التي توفر فرص العمل للمتعطلين، وامنحوا القروض للصناعيين، واكبحوا سطوة المضاربين وتجار السوق السوداء، فستجدون أن (الأخضر) يتراجع رغماً عنه.

ستبقى الحكومة تعدُ بانخفاض الأسعار على مراحل، لكن صعودها لم يكن كذلك أيها السادة، بل كان لحظياً. إنه السوق الحر، الذي أفقر شعبنا قبل الأزمة، وعمّق جراحه خلالها، ويستعد الآن لقطف ثمار ما بعدها.

العدد 1104 - 24/4/2024