نحو تنمية اجتماعية أيضاً

كتب بشار المنيّر:

يعبّر معدل النمو، عن التغير السنوي في الناتج المحلّي الإجمالي زيادة أو نقصاناً، لبلد من البلدان، وكلّما ارتفع هذا المعدل، تحقّق للفردِ في هذا البلد نظرياً حصة أكبر من الناتج، لكن توزيع إجمالي ناتج بلدٍ ما على عدد سكانه يحقق مساواة شكلية، أما الواقع فيقول غير ذلك، إذ تتفاوت حصة من يعملون.. وحصص من يملكون، وكلّما تطوّرت اقتصادات الدول بعيداً عن التوزيع العادل لثمار النمو، اضطرب ميزان العدالة الاجتماعية، وباتت الفوارق بين شرائح الناس أكثر اتساعاً.

لقد أنجزت التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الرأسمالية منذ ستينيات القرن المنصرم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ طورت قطاعات الإنتاج الرئيسية في الصناعة والزراعة والخدمات، وترافقت التنمية الاقتصادية بتنمية اجتماعية، فتقلصت الفوارق بين المدينة والريف، ووضعت قوانين راسخة للعمل والضمان الاجتماعي، ونمت مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات في ظل الديمقراطية البورجوازية السائدة في تلك البلدان. لذلك كان لمعدل النمو الذي يدلل على تطور أداء القطاعات الاقتصادية في هذه البلدان بين عام وآخر أهمية كبيرة، خاصة أنهم لا يدّعون تحقيق العدالة في توزيع ثمار هذا النمو.

أما في البلدان النامية التي تحررت من الاستعمار، والأنظمة الديكتاتورية المرتبطة به، وتريد اللحاق بموكب التطور الاقتصادي، وتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية لشعوبها، فليس لهذا المؤشر تلك الجاذبية، فالأمر هنا يتعلق بتحقيق تنمية شاملة تعيد هيكلة قطاعاتها المنتجة، خاصة في الصناعة والزراعة، ووضع سياسة واضحة للاستثمارات العامة في هذين القطاعين الرئيسيين، وتشجيع مساهمة الرأسمال الوطني  والاستثمارات الأجنبية لتحقيق هذا الهدف، كما يتطلب الأمر في هذه البلدان تحقيق تنمية اجتماعية حقيقية تؤدي إلى تطوير المجتمعات المحلية المتخلفة، وتنمية المناطق الفقيرة، وتعميم العملية التعليمية والرعاية الصحية، وتفعيل دور المرأة، ووضع سياسة للأجور  تتناسب مع المعدل العام للأسعار، وتشجيع هيئات المجتمع المدني على المساهمة النشيطة في عملية التنمية.

لذلك يعد مؤشر النمو في البلدان النامية مؤشراً قاصراً في إظهار فاعلية العملية الاقتصادية، وأثرها على التنمية الاجتماعية، ولا يمكننا اعتماده للتدليل على تطور هذه البلدان.

لذلك لا يجوز النظر إلى ارتفاع معدل النمو في بلد نامٍ- سورية على سبيل المثال – على أنه مؤشر للتطور الاقتصادي فيها دون تحديد القطاعات التي أنتجت هذا النمو، ودون أخذ المؤشرات الاجتماعية بالحسبان، ودون تحديد الفئات الاجتماعية التي تستفيد من ثمار هذا النمو.

نقول قولنا هذا بعد الإنجازات التي حققها جيش سورية الوطني في مواجهته للإرهابيين، واستعادته معظم الأرض السورية، وكي نذكر الحكومة بالتحضير لوضع خططها لعملية إعمار شاملة، تستهدف الاقتصاد والبنى التحتية، لكنها تتوجه بالدرجة الأولى إلى الإنسان السوري، الذي كان في الماضي.. وما يزال ضحية سياسات اقتصادية عمقت معاناته المعيشية والاجتماعية.

لا تتركوا البشر.. ولا يكفي أن تتوجهوا إلى الحجر.. وكل ما يلمع!

العدد 1104 - 24/4/2024