الدولة العلمانية القوية مطلب لجميع المواطنين الأحرار

محمد علي شعبان:

لقد عاصرنا معاً مجموعة من الأحداث والتطورات التي مرت على سورية، والعالم، لمدة نصف قرن من الزمن، ودرسنا العديد من التجارب التي عاشتها معظم شعوب العالم، والدول القوية بشكل عام، وتجارب دول أخرى تطورت وأصبحت قوية، كما شاهدنا العديد من الخيبات ومشاريع التقسيم والحروب التي فُرضت على العديد من الدول، من قبل الدول الاستعمارية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، نصل إلى خلاصة مفادها:

إن الدول القوية قويةٌ بمؤسستها العسكرية الموحدة، والتي تستطيع حماية الوطن والدفاع عنه، وقوية بمقدار الاندماج والتماهي للتنوع والتعدد العرقي، والقومي، والطائفي، والمذهبي، في بنيتها التشاركية. والتي تسود فيها المساواة في الحقوق والواجبات، دون تمييز على أي أساس عرقي أو طائفي أو قومي أو مذهبي. وتطبّق العدالة الاجتماعية على الجميع، وتصبح دولة المواطنة، التي ينتفي فيها التمييز بين أبنائها، فتصبح الدولة القوية مطلب جميع المواطنين، يستمدون القوة منها، وتستقوي بهم وبطاقاتهم وكفاءاتهم.

والدولة القوية قويةٌ بنظامها الديمقراطي التعددي التداولي، وبمقدار تخلّصها من الصراعات الداخلية، التي استحضرتها قوى العدوان، بغية استثمارها لإضعاف الدول، وهي تعتمد، في ذلك، على نزاعات دينية، ومذهبية، وقومية، وعرقية.

وهي قوية باعتمادها على العلم، والتركيز على التنمية المستدامة. قوية بمركزية قرارها، وقوية بتحويل جميع طاقات المواطنين المتناقضة والمتنوعة والمتمايزة، بالصراع أو بالتوافق، لخدمة الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية.

والتجارب أمامنا تقول: (ديمقراطية المكونات).

إن الدول الكبرى والقوية هي التي تحتوي التنوع الأكبر والأكثر اندماجاً في داخلها، دون نزاعات. وهي غنية بالتنوع والتعدد رغم أنها تشكّلت من شعوب وأعراق مختلفة، كانت متناحرة لقرون من الزمن، لكنها وجدت الصيغة المناسبة لتحويل صراعاتها لخدمة الدولة وازدهارها. وأختم في هذه النقطة وأقول:

إن الدول القوية قويةٌ أيضاً بوجود معارضة قوية، تتصارع مع السلطة من أجل نظام سياسي يحقق أكبر عدالة اجتماعية وتكافؤ فرص، ودولة مواطنة حقيقية، تواجه كلّ التهديدات الخارجية، التي يستحيل انتصارها على الدولة القوية، ولا يمكن لدولة أن تكون قوية إلا إذا كانت علمانية وديمقراطية.

إن معظم الدول تمر بأزمات وهزات متنوعة، وقد تخرج منها أكثر قوة وصلابة، وقد تنهكها الأزمة وتحوّلها إلى دولة فاشلة.

وهذا الأمر مرتبط بشكل فعلي بعدة أشياء أهمها:

1- دور مجموعة النخب السياسية ، من معارضة وموالاة، النخب الثقافية والمجتمعية، والتعبيرات الاجتماعية الوطنية، المتخلصة، بطبيعتها، من أية أحقاد أو تعصب أو ثأرية، وكيفية تبنّيها لحلّ الأزمة، والأدوات التي تستخدمها للخروج من أزمتها  بأقل الخسائر.

2-مستوى التأثير والتدخل من قبل الدول الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة في إدارة الأزمة وليس حلها. لقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا الدور الأسوأ خلال الثماني سنوات التي مضت، في تأجيج الصراع وعرقلة الحل السياسي، ودعم غير محدود لعناصر الجبهة الفاشية التي تشكّل خطراً ليس على سورية وحسب، بل إنها تشكل خطراً على العالم كلّه، لأن التطرّف والإرهاب ليس له هوية ولا مكان.

3-دور السلطة الحاكمة وتأثيرها الفعال بمراجعة جادة لمعالجة الأسباب الحقيقية التي استدعت الأزمة، وإزالتها بالوسائل الديمقراطية والعلمية.

كل هذا يقتضي اعترافاً واضحاً وصريحاً بوجود الأزمة، والانقسام الوطني حول سبل الخروج منها. وما دامت لغة الحرب مرفوضة من جميع الحضور، ووصل الجميع إلى نتيجة مفادها أن حرب الثماني سنوات أرهقت الأرض والإنسان، ولم يستفِد منها سوى أعداء الوطن وبعض تجّار الأزمات، فقد أصبح الحوار من دون شروط، بين أطراف الأزمة الوطنية المستعصية، هو: الوسيلة والغاية الأكثر حضارية والأقل كلفة. وبه ومن خلاله، بالتشارك والتوافق، تستطيع القوى الوطنية الديمقراطية المشاركة، وضع الخطوط العريضة لسورية المستقبل، التي يعيش فيها الجميع متساوين في الحقوق والواجبات. فالحوار هو الغاية والوسيلة لحل الخلافات بين الشعوب والدول المختلفة، فكيف يكون الأمر بين أبناء الوطن الواحد؟ فالدعوة إلى الحوار هي الخطوة المفتاحية باتجاه حل الأزمة، وإقامة الدولة العلمانية التشاركية التي لا يمكن إقامتها دون تحديد مواقف واضحة متفق عليها من جميع الأطراف المشاركة في الحوار، وأهمها:

  • موقف واضح من جميع الدول المحتلة لأراضٍ سورية، ومقاومتها وهزمها (تركيا- أمريكا- الكيان الصهيوني).
  • العمل على بناء الدولة القوية (الدولة العلمانية الديمقراطية).
  • هزم المشروع الفاشي، والقوى التي تسانده وتقدم الدعم له. والاتفاق على مؤتمر حوار وطني عام في دمشق تحضره القوى والأطراف الوطنية كافة.
  • ولا بد من التوافق على دور الأطراف التي دعمت الدولة السورية، في حربها ضد الفاشية الأصولية، ومحاولة إشراكها كضامن مؤتمن لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني. ونعتقد أن الحليف الروسي مؤتمن على مهام كهذه.
العدد 1104 - 24/4/2024