لكلّ أبٍ وأمّ.. (ربّوا وتعبوا)

حسن البني: 

إن التربية بشكل عام هي تحصيل للمعرفة وتوريث للقيم وتوجيه للفكر وتهذيب للسلوك، وهي عملية ضرورية لكل من الفرد والمجتمع معاً، وضرورتها للفرد تكمن في المحافظة على جنسه وتوجيه غرائزه وتنظيم عواطفه وتنمية ميوله بما يتناسب وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه. أمّا بالنسبة للمجتمع، فمن أجل مواجهة الحياة ومتطلباتها وتنظيم السلوكيات العامة للناس من أجل العيش بين الجماعة عيشة ملائمة، وهي من أهم المهام المتعلقة بالوالدين وأخطرها لما فيها من صعوبات وتعقيدات ومشاكل، فالتربية السليمة تخلق جيلاً واعياً ومستقبلاً أفضل للأبناء.

ومع تطور الحياة، تباينت نظرة الأجيال السابقة واللاحقة للجهود المبذولة من قبل الأبوين في سبيل تنشئة ورعاية الأبناء، وتوريث العادات والتقاليد والقيم، فعندما نسأل الأبوين والأجداد عن الطريقة التي تعامل فيها الأبناء معهم قديماً نجد الجواب: أنهم كانوا يبرّونهم ويكسبون رضاهم في الكبر، جزاء لما صنعوا لهم في الصغر، فلا ينسون فضلهم عليهم بعد الخالق عزّ وجل، ويُلاحظ حرصهم على طاعتهم وكسب إحترامهم، وذلك أقلُّ ما يمكن تقديمه لهم، ولا يساوي شيئاً أمام تضحياتهم من أجل سعادة أبنائهم، فهم يستحقون المزيد من الشكر والتقدير على جهودهم مجتمعة. ، وما الجيل الناشئ اليوم إلا نقطة في بحرهم، وهو على النقيض تماماً! فقد وصل إلى حد أنه مهما فعل الوالدين لإرضائه وسعادته، فهذا لا يكفي بنظره، فنراه بذلك جيل ناكر وجاحد في غالبية الأمور، ويعود ذلك إلى “الدلال الزائد” في تلبية رغبات الأبناء حدَّ الإفساد، فلا الشدة الزائدة تنفع، ولا العطف الزائد يعطي ثماره، والمفيد هو التوسط بينهما لترك أثر نفسي، تظهر نتائجه إذا ما تمّ تعويد الطفل منذ نعومة أظافره على مفاهيم الامتنان والتقدير ضرورة الأخذ والعطاء حتى تتكرّس في شخصيته فتصبح عادة في الكبر. بعضهم أخذته العزة بالنفس لدرجة عقوق الوالدين وعصيانهم، فكثير من الآفات الاجتماعية المنتشرة في المجتمع سببها إهمال طاعة الأهل في العديد من الأمور الحياتية، وبعض شبابنا اليوم لا يدرك أن لوالديه عليه حق، بل يظن أنه هو فقط صاحب الواجب والقدر وعليهم السهر على خدمته وليس العكس!. فما وصلنا إليه من انحدار أخلاقي وتخلّف في بعض أو غالبية المجالات، يفسره ابتعاد الأبناء عن الوالدين ومجافاتهم في التعامل. لذا، يجب على أقلّ تقدير تأدية حقوق الوالدين الذين تعبوا وربّوا وعلّموا وآثروا أبناءهم على أنفسهم، فضحّوا بالغالي والنفيس من أجلهم، لا أن نتنكّر وننسى معاناتهم وتعبهم في تربيتنا، فالأبناء في النهاية، انعكاس لصورة آبائهم حتى قيل: (من خلّف ما مات!).

العدد 1105 - 01/5/2024