حبنا لأبنائنا سبب انعدام إحساسهم بالمسؤولية

إيناس ونوس: 

تعيدنا هذه الأيام بوضعها المعيشي الصعب إلى أيامٍ كُنّا فيها صغاراً، لم نكن ندرك حجم الصعوبة التي كان يعانيها أهلنا في تأمين أبسط مستلزمات الحياة.. كبرنا وقد تراكمت وكبرت معنا أحلامنا ومعظم طلباتنا المؤجّلة إلى حينٍ طال أمداً كبيراً، وربما بعضنا لم يصل إلى مبتغاه البتة ،إلاّ أنه ومن ناحيةٍ أخرى عاد علينا بفوائد عدة على ما أعتقد، وأهمها:

_ تشرُّبنا مفهوم القناعة بوضع الأهل والتزام الصمت حياله، ومن ثم شكرهم على ما يقدمونه أو يحاولون بعد تنامي مداركنا ومعرفتنا بحجم المعاناة التي يلاقونها في محاولاتهم تلك.

_ ربما جعلت منّا تلك الأوضاع أُناساً طموحين في أن يكون الغد أفضل، ما دفع العديد منّا للعمل الجاد والمستمر بغية تحويل الحلم لواقع حي.

_ علمتنا الحياة أن ما يتمُّ الحصول عليه دون معاناة لا قيمة له.

لكننا لم ننقل لأبنائنا هذه الفكرة بل تنامت لدينا الرغبة في ألاّ يعيش أبناؤنا ما عشناه نحن، وأصبح همّنا الأكبر تلبية طلباتهم جميعها مهما بلغت ومهما كلفتنا من تعبٍ وربما حرمانٍ لأنفسنا مقابل أن يكونوا سعداء، ما أدى بهم للمزيد من الطلبات المتواصلة والمتكررة غير آبهين بنا وبكم الأعباء الملقاة على عواتقنا. فكانت النتيجة جيلاً متطلِّباً لا يعرف معنى الامتنان على الأقل، تتعاظم لديه فكرة أن أهله مسؤولون عنه بكل حالاته، وإلاّ فلمَ أنجبوه؟

جميعنا ننعت الأجيال الجديدة باللامبالاة والأنانية، وهذا واقع الحال، إلاّ أننا لم ندرك أن طريقة تربيتنا هي أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى هذه المشكلة المُعلَّقة، لأننا، بدافعنا الإيجابي المنطلق من محبتنا الخالصة لهم ورغبتنا بتأمينهم بكل مناحي حياتهم، لم نحمّلهم مسؤوليةً منذ صغرهم اعتقاداً منّا بأنهم سيفهمونها لوحدهم وسيتحمَّلونها عندما يكبرون. اليوم صار لزاماً علينا الاعتراف بارتكابنا خطأً جسيماً بحقنا وبحقهم على حدٍّ سواء، على الرغم من أنه لا يمكننا لوم الأهل كثيراً بحكم دافعهم الإيجابي والنابع من الحب الخالص لأبنائهم، كما لا يمكننا أيضاً إلقاء اللوم على الأبناء لأنهم لم يعتادوا على مفهوم الأخذ والعطاء المتساويين، لم يدركوا أن من لا يتعلم كيف يأخذ لا يمكنه أن يعرف كيف يعطي، بل يكبر وبداخله قناعةٌ أن له الحق بالأخذ الدائم دون أن يعطي بالاً لما يجب أن يقدمه، وهذا ينطبق على كل المجالات سواء الحسية كالمشاعر والعواطف، أو المادية، أو المعنوية، ليصل إلى المعاني الأكبر التي تهمُّ المجتمع برمته ما جعلنا نمثل أمام جيل لا يمتلك أدنى القيم المجتمعية التشاركية، بل تزداد عنده الأنا في تضخّمها ليعيش على مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان.

الفارق بين الأجيال جاء نتيجة التربية التي انتهجناها كأهل أردنا لأبنائنا حياةً أفضل دون أن نربيهم على القناعة ومفهوم الشكر والامتنان وأن ما يحق لهم يحق لنا، وحين ترهقنا طلباتهم نُصاب بالذهول من أنانيتهم وعدم قبولهم بالأمر الواقع وانعدام إحساسهم بالمسؤولية حتى بعد وصولهم لى مراحل قادرين فيها على الاعتماد على أنفسهم.

لا ضير على أبنائنا وأطفالنا إن جعلناهم يشعرون ببعض المشاكل التي نعيشها في حياتنا اليومية، والأفضل أن نناقشهم بها ونفهمهم كيف تسير الأمور من خلال بعض التفاصيل التي تتناسب ومراحلهم العمرية، لننمي عندهم القناعة أولاً ومن ثم مفهوم الامتنان والتقدير لما يحصلون عليه منّا او من الآخرين، فإن أخطأ البعض منّا بغير قصد وبنيةٍ حسنة في السابق بات من الضرورة أن نعي ذلك ونحاول تلافي الأخطاء السابقة، لتشملنا الفائدة جميعنا مربين وأبناء، ما يجعلها تعود على المجتمع برمته.

العدد 1140 - 22/01/2025