الـوطن والوطنية والمـواطنة
محمد علي عمران:
الوطن وطني هو سورية، وبعيداً عن التعاريف الأكاديمية والفلسفية، الوطن هو بردى والفرات، هو العاصي والخابور، هو سهول حوران وجبل العرب، هو الشام وغوطتها وحلب وسهولها، هو الساحل السوري وجباله، هو الجزيرة السورية وثرواتها، هو تدمر وباديتها، هو الجولان وجبل الشيخ، هو إدلب وأوابدها المنسية، هو لواء الإسكندرون الأخضر، هو الشجرة والصخرة، هو الدامسكو السوري الذي تزينت به ملكة بريطانيا ليلة عرسها، هو الذهب الأبيض القطن الذي نزرعه والقمح الذي نحصده ويوفر لنا الأمن الغذائي، هو أشجار التين وكروم العنب، هو السنديان العتيق وشجرة البلوط الباسق، هو المعامل والمصانع هو المدارس والطرقات هو المشافي والصوامع هو كروم الزيتون هو قلعة حلب وسهل الغاب هو مصايف كسب ووادي النضارة، هو ضيعتي ومدينتك، هو نحن ونحن هو. من قبل أن نسمع بالجيش الحر ومن بعده جيش الإسلام وجيش الفتح وأحرار الشام وجبهة النصرة وداعش، كنا نسمع بالفاسدين والمفسدين في الوطن ممن كانوا يتقاضون العمولات من الشركات العالمية التي تستثمر في سورية، كنا نسمع بالمسؤولين الذين كانوا يسخّرون لأبنائهم وعائلاتهم وأقربائهم عشرات بل مئات السيارات العامة، كنا نسمع بأولاد المسؤولين الذين يدرسون في بوسطن وغيرها ويكلفون الدولة ملايين الدولارات، كنا نسمع بأخبار الصفقات التي تجري من تحت الطاولات على حساب القطاع العام وقطاعات الدولة، كنا نسمع بالصرفيات الحكومية التي تبلغ 26% من ميزانية الدولة، كنا نسمع بالامتيازات والبعثات وغيرها للناس من لون واحد من حزب واحد، وبالكثير الكثير من السرقات والرشا والاحتيالات والاستفزازات، كنا نرى أحدهم ممّن نتساوى معه بالدخل ومستوى الحياة وإذا به أصبح مليونيراً كبيراً وأنا وأنت تراجعنا إلى الوراء في مستوى الدخل والمعيشة والحياة! هذا كله كنا نسمعه قبل الحر والنصرة وداعش، ومع احترامنا واكبارنا للعديد من القامات الوطنية الشريفة داخل الحكومات وخارجها، فإننا لا نجد أنفسنا على مقربة من أولئك الذين عندهم الوطن هو جيوبهم ومصالحهم، ولمّا تعرض الوطن للخطر لحقوا بمصالحهم إلى حيث توجد أرصدتهم ومشاريعهم الاستثمارية، هذه الأرصدة التي أنتجها الكادحون وجميع الشرفاء في الوطن، الذين استماتوا في الدفاع عن الوطن وعن كل حبة تراب من سورية وقدموا أبناءهم قرابين ليبقى الوطن، بينما الذين تحكموا واستحكموا وحكموا واضطهدوا هؤلاء الناس بعثوا بأولادهم خارج حدود الوطن تهرّباً من خدمة العلم رمز خدمة الوطن، وللالتحاق بما يسمى المعارضة السورية في الخارج الذين لم يكن بعضهم يكنس من مكاتب هذا المسؤول أو ذاك! هؤلاء الدواعش الذين كانوا يستكثرون على الآخرين حتى الشعور بالوطنية.
الوطنية هي بالتعريف حب الوطن والغيرة على كل حبة تراب من ترابه وعلى كل سنبلة قمح فيه وزهرة قطن وحبة زيتون، وعلى كل نقطة ماء من مياهه، هي حب أرضه وسمائه هي العشق الأبدي لكل مكوناته، هي العمل على نجاح وإنجاح كل مشروعاته من الحقول التربوية إلى الحقول الزراعية والصناعية والخدمية والصحية، هي المحافظة على ثرواته في أي مكان فيه، هي الدفاع عنه ومحاربة أي عدو يتربص به داخلاً وخارجاً.
أما المواطنة فهي أن يتساوى جميع أبناء الوطن في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الانتماء العرقي أو المذهبي أو السياسي أو الطائفي، هي حرية الرأي والانتساب إلى المؤسسات المدنية والمنظمات الشعبية، هي أن يتساوى الجميع في العمل والوظائف في الدولة وفي مؤسسة الجيش والتعليم وفي البعثات الخارجية والدبلوماسية. هي أن يطبق القانون على كل فرد فيه دون محسوبيات، هي حرية الأحزاب والعمل السياسي الوطني. فهل نعمل معاً لإخراج سورية من أزمتها، ونصوغها بحلة جديدة تليق بنا وبها في القرن الحادي والعشرين: سورية الديمقراطية، سورية العلمانية، سورية التعددية، سورية التقدمية، سورية لكل السوريين ممن لم يتعامل مع العدو الخارجي ويطلب تدخله فيها لإحراقها وإلغائها وإعادتها إلى مجتمع ماقبل الدولة.
الشعور بالمواطنة يتناسب طرداً مع محاربة الفساد والفاسدين وسارقي أموال الدولة وقوت الشعب ومحاسبة المسؤولين عن تدني مستوى معيشة المواطن والمهربين وحُماة المهربين وخاصة الذين هربوا السلاح والمواد الغذائية والمازوت والبنزين والغاز والحطب إلى أعداء سورية من الإرهابيين التكفيريين الذين يقتلوننا ويدمرون بيوتنا وينهبون أرزاقنا ويدمرون البنية التحتية لدولتنا سورية التي لن تنحني لإرهابهم، سورية الشعب سورية الدولة سورية الوطن التي ستنتصر على الإرهاب وعلى صانعيه ومؤيديه وداعميه، سورية التي لم تركع من قبل ولن تركع أبداً!